ولما كان اليوم الرابع عشر (١٩ أغسطس) ساروا بسعادة السلطان ورجاله ، وفرّجوهم على قلعة مصر (١). وهي قلعة كبيرة أمر ببنائها صلاح الدين يوسف بن أيّوب على يدي قراقوش (٢) ، وكان خصيّا روميّا سامي الهمة ، وكان يتولى عمائر مصر ، وهو الذي بنى السور (٣) من الحجارة محيطا بالفسطاط والقاهرة وما بينهما وبالقلعة التي على جبل المقطّم (٤). فلما بنى القلعة أنبط فيها البئرين الموجودين اليوم ، وهما أيضا من العجائب (٥) وينزل إليهما بدرج ، نحو ثلاثمائة درجة ، فنزلوا بسعادة السيد إلى هذه البئر على عمق ربعها ، وفرّجوه على طريقة استقاء الماء منها.
ويزعم قوم من الذين ليس لهم إلمام بعلم التاريخ أن سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ كان قد سجن في هذه البئر. وهذا خطأ : فإن هذه البئر لم تنبط (٦) إلا في عهد صلاح الدين يوسف بن أيوب كما أسلفنا الى ذلك.
وقد شاد (٧) محمد علي باشا صاحب مصر مسجدا عظيما في هذه القلعة. وهو مبنيّ بحجر الرخام الأصفر ومزيّن بثريات جميلة وقناديل عديدة. ولما توفّي أقاموا له ضريحا في قبة إلى جانب باب المسجد (٨) وما زال قبره هناك إلى اليوم ، وحوله مصابيح وقناديل وشموع ، وعلى دائرة القبة اسم محمد وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين.
__________________
(١) تسمى أيضا : قلعة الجبل وهي القلعة التي أمر ببنائها صلاح الدين على جبل المقطم سنة ٥٧٩ / ١١٧٦ وتم بناؤها سنة ٦٠٤ وصارت دار مملكة مصر. المقريزي : الخطط : ٢ / ٢٠٣
(٢) هو قرقواش الأسدي. المقريزي : ٢ / ٢٠٣
(٣) أمر ببنائه صلاح الدين أيضا سنة ٥٦٦. المقريزي : الخطط : ١ / ٣٧٩
(٤) هذا الجبل يمر على جانبي النيل إلى النوبة. المقريزي : الخطط ١ / ١٨٤ ، زكي : موسوعة ص ٢١٤
(٥) هما في الحقيقة بئران يستقبلان الماء من النيل عبر السواقي. المقريزي : الخطط ٢ / ٢٢٩
(٦) ب : لم تنبط (تنشأ)
(٧) أ ، ب : أشاد
(٨) دفن محمد علي باشا بجامعه بالقلعة. الطعمي : معجم ص ٣٦٤