وزعم صاحب القاموس (١) من باب الخطأ ، وقال : " الهرمان بناءان أزليان بمصر بناهما إدريس (نوح) عليه السلام لحفظ العلوم فيهما عن الطوفان ، أو بناء سنان بن المشلشل ، أو بناء الأوائل لما علموا بالطوفان من جهة النجوم. وفيها كل طب وسحر وطلسم (٢) ". ولعمري هذا غلط من جملة أغلاط صاحب القاموس. وهذان الهرمان متقاربان جدا ومبنيان بالحجارة البيض. وأما الثالث فينقص عنهما بنحو الربع ، لكنه مبني بحجارة الصّوان الأحمر المنقّط الشديد الصلابة ، ولا يؤثر فيه الحديد إلا في الزمن الطويل ، وهو صغير بالقياس إلى ذينك.
وقد سلك المصريون في بناية الأهرام طريقا عجيبا من الشكل والإتقان ، ولذلك صبرت على ممرّ الزمان ، بل على ممرّها صبر الزمان. فإن الأذهان الشريفة قد استهلكت فيها ، والعقول الصافية قد أفرغت عليها مجهودها ، والأنفس النّيرة قد أفاضت عليها أشرف ما عندها ، والملكات الهندسية قد أخرجتها إلى الفعل حتى أنها كادت تحدّث عن قومها ، وتخبر بحالهم ، وتنطق عن علومهم وأذهانهم ، وتترجم عن سيرتهم وأخبارهم ، وذلك أن وضعها على شكل مخروط يبتدئ من قاعدة مربّعة وينتهي إلى نقطة ، ومن خواص الشكل المخروط أن مركز ثقله في وسطه ، وهو يتساند على نفسه ، ويتواقع على ذاته ، ويتحامل بعضه على بعض ، فليس له جهة أخرى خارجة عنه يتساقط عليها.
ومن عجيب وضعه أنه شكل مربّع قد قوبل بزواياه مهابّ الرّياح الأربع ، فإنّ الريح تنكسر سورتها عند مصادمتها الزاوية ، وليست كذلك عند ما تلقى السطح.
وهذه الأهرام ترى على بعد ٢٠ ميلا. وعلوّ الأكبر منها نحو ٥٠٠ قدم ، وفيه مدخل يلجه الناس يفضي بهم إلى مسالك ضيّقة ، وسراديب (٣) متنافذة ، وآبار ، ومهالك ، وغير ذلك.
__________________
(١) هو محمد بن يعقوب الفيروزي آبادي (٧٢٩ / ١٣٢٩ ـ ٨١٧ / ١٤١٤) لغوي مشارك في عدة علوم له : القاموس المحيط. كحالة : معجم ١٢ / ١١٨
(٢) تنظر مادة : هرم ، القاموس ٤ / ١٩١ البابي الحلبي ـ مصر ط ٢ / ١٩٥٢
(٣) أ : أسراب