ـ خاصة ـ عند المغاربة والأندلسيين لتوفر دواعي الرحلة لديهم (١). فكثرت أوصافهم بين القرنين السادس والثاني عشر للهجرة ، وصار لهم سبق فيها (٢).
وإذا كانت الرحلات منحصرة في هذا العصر ـ عصر المحافظة (٣) ـ في البلاد العربية أساسا (٤) ، فإنّها ستعرف في القرن الثالث عشر (١٩ م) وجهة جديدة ، وهي أوروبا. فقد أخرجت حملة بونابارت الاستعمارية على مصر سنة ١٢١٠ / ١٧٩٨ ـ العرب من قوقعتهم ، وحرّكت فيهم حبّ الاطلاع على ما حقّقته أوروبا من نهضة أدّت بها إلى التقدّم (٥).
لقد أراد العرب الكشف عن سرّ قوتها.
كان وصف الرحلات من أهمّ مظاهر الإحياء والدعوة إلى النهضة. وإذا اعتبرنا الطهطاوي (٦) أبا وصف الرحلة إلى أوروبا ، فلا نجانب الحقيقة.
__________________
(١) دواعي الرحلة تختلف ـ كما ذكرنا ـ عن دواعي وصف الرحلة ، فالمغاربة ـ مثلا ـ كانوا يرحلون لأسباب منها : الحج ، الدراسة ، السياحة ، السفارة. انظر نصّار : أدب الرحلة ص ١٧ ـ ٤٩ ، ورسالتنا : المقدمة
(٢) قمنا بجرد للأوصاف التي تركها الرحالة المغاربة والأندلسيون ، المخطوط منها والمطبوع ، إلى نهاية القرن الثاني عشر الهجري ، راجع رسالتنا : المدونة.
(٣) من نتائج بحثنا التي توصلنا إليها أن مصطلح" الانحطاط" الذي يطلق على تاريخ العرب بين القرنين ٦ ـ ١٢ للهجرة ليس دقيقا. والأدق هو مصطلح" الحفاظ" أو" عصر المحافظة". وهذا المصطلح أكثر حيادية وموضوعية. وهو يقابل ما عند الأوروبيين" القرون الوسطى" راجع رسالتنا : مظاهر الحضارة ، الخاتمة.
(٤) هذا لا يعني أنه لم تتم رحلات إلى خارج البلاد العربية : فقد سافر التمكروتي إلى تركيا سنة ٩٩٧ / ١٥٨٩ ووصف رحلته تحت عنوان" النفحة المسكية في السفارة التركية" ، والغزّال سافر إلى اسبانيا سنة ١١٧٩ / ١٧٦٦ ووصف رحلته تحت عنوان" نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد" (دار الغرب الإسلامي ١٩٨١) وغير ذلك.
(٥) اهتمت نازك سابايارد بدراسة أوصاف الرحالة العرب إلى أوروبا تحت عنوان" الرحالون العرب وحضارة الغرب في النهضة العربية الحديثة" مؤسسة نوفل ، بيروت ط ١ / ١٩٧٩
(٦) رفاعة (١٢١٦ / ١٨٠١ ـ ١٢٩٠ / ١٨٧٣) : تعلم بالأزهر ، وصار واعظا بالجيش المصري ثم صحب بعثة الطلبة إلى فرنسا سنة ١٨٢٦ فتعلم الفرنسية وترجم عدة مؤلفات ووصف مشاهداته في كتابه" تخليص الابريز في تلخيص باريز". سعى إلى إصلاح التعليم وتولى رئاسة الترجمة في المدرسة الطبية ، له عدة مؤلفات. انظر : كحالة : معجم : ٤ / ١٦٨ ـ ٩ ، ١٣ / ٣٨٧ ، وفصل :
Rifaa Bey al TAHTAWI : E. I. ٢ : VIII / ٣٢٥ ـ ٤) Ohrenberg (