وسلّم أبو الفضل العبّاس ، فهو [٧٢ ب] ابن عمّ من ختمت به الرسالة والنبوة ، وعمّته بركة العمومة الزاكية والبنوّة ، السيّد الكريم والسند العظيم الإمام بدر الدّين أبو الفتح عبد الرحيم (١) ، فأنزلني بمنزل جوار منزله ، وأنهلني من صافي منهله ، وأغدق عليّ سبب فضله وتفضله ، فأقمنا بذلك المنزل حينا من الدهر نحو شهر ونصف شهر ، ثم انتقلنا إلى مكان نفيس لطيف حسن أنيس ، أخلاه لنا داخل داره ، بالقرب من مكانه الّذي هو مقيم به وجواره ، فلم نزل مدّة مقامنا في حماه وجواره ، فكان لنا جارا كجار إبي دواد (٢) ، وغمرتنا منه بوالغ نعم وسوابغ أياد ، وأنالنا من شمول لطفه ولطف شمائله ما برّد الكبد وأثلج الفؤاد ، ومن القرب إلى حضرته ما خفّف عن القلب حرّ نيران البعاد ، أخالني بمجالسته جليس القعقاع بن شور (٣) ، وأقتطف من مؤانسته أنيق ثمر وأعبق نور ، وأجتني من مفاكهاته الجنيات ما هو ألذ من فاكهة الجنات ، وأتحلّى بزلال بحره (٤) المتدفّق الجاري ، [٧٣ أ] وأتجلّى بعقد نظمه الفائق على الدّرر بل الدراري ، وأجمع من زهر منثوره ما فاق عرار نجد ، وسما على شذا البان والرند ، وأربى على عرف النرجس والورد ، وأنبسط في داره تبسّطي في داري وأبلغ ،
__________________
(١) السيد عبد الرحيم بن عبد الرحمن العباسي (ت ٩٦٣ ه) وتقدّم التعريف به في مطلع الرّحلة.
(٢) أبو دواد هو جارية بن الحجاج الإياديّ من شعراء الجاهلية ، ويقال أنه مدح الحارث بن همّام فأعطاه عطايا كثيرة ، ثم مات ابن لأبي دواد وهو في جواره فوداه ، فمدحه أبو دواد ، فحلف له الحارث أنه لا يموت له ولد إلّا وداه ، ولا يذهب له مال إلّا أخلفه ، فضربت العرب المثل بجار أبي دواد ، وفيه يقول قيس بن زهير
أطوّف ما أطوّف ثم آوي |
|
إلى جار كجار أبي دواد |
انظر : الأغاني ١٦ : ٢٥٧.
(٣) القعقاع بن شور الذهليّ تابعي من الأجواد ، يضرب به المثل في حسن المجاورة ، قيل : كان يجعل لمن يجالسه نصيبا من ماله ، ويعينه على عدوه ، ويشفع له في حوائجه ثم يذهب إليه بعد المجالسة شاكرا. انظر : أعلام الزركلي ٥ : ٢٠١.
(٤) وردت في (ع): «نحره».