إجازة ، ورقم به بليغ بلاغته وإعجازه ، وبعد :
فإنّ المرء وإن يكن في نفسه حقيرا ، وعن تسنّم رتب العلوم لا يألو توانيا وتقصيرا ، فربّما يشهد فيه بلوغ إلى صهوات (١) العلوم ، ورقي إلى أسنى درجات المنثور والمنظوم ، فضلا من الله ومنّة ، وسترا لما بباطنه أجنّة ، وشعاعا من نور عالم انعكس إليه ، فرأى فيه ما هو مقرّر لديه ، ولو لا ذلك لما سئل الفقير ، مع ما جبل عليه من العجز والتقصير ، من علّامة [١٠٤ ب] الزمان ، ونادرة العصر والأوان ، البحر ابن البحر ، وأجلّ مفاخر الدهر ، شيخ الإفتاء والتدريس ، وقرّة عين مولانا محمد بن إدريس ، العلّامة ابن العلّامة ، المخصوص بالتقدّم في المراتب العلمية والإمامة ، الشيخ الإمام المحقّق المدقّق بدر الدّين أبي البركات محمد بن المرحوم الشهيد السعيد شيخ الإسلام رضي الدّين أبي الفضل محمد بن مولانا الشيخ الإمام العلّامة شيخ المسلمين رضي الدّين الغزّيّ العامريّ الشّافعيّ. من جعل الله منهاجه للطالبين إرشادا ، وللرّاغبين في مهمّات الدّين توفيقا وسدادا ، كم رفع للرافعيّ علما منشورا ، وأحيا لمحيي الدّين النوويّ ذكرا كان مقبورا ، وسقى الرّوضة (٢) من فضله عذبا نميرا ، وأصبح روض اليمنى لسحائب فوائده ممطورا ، والمنهج القويم بمهذّب أبحاثه واضح المسالك ، وأضحى العزيز بلفظه الوجيز سهل المدارك ، وأبحاثه المفيدة بغرائب تدقيقها قوت الأرواح ، وتأليفه (٣) الفريدة [١٠٥ أ] ببديع بيانها عروس الأفراح ، فرع فاق الأصول ، وغاص على درر (٤) الأصلين فحصل على أعظم محصول ، ووشّح ألفية ابن مالك بجواهر نظمه ونثره ، وأتى من نيّر فوائده بما لا ينكر من نور بدره ، وفك مأسور الإفهام بتقييده المطلق ، حين فتح الله عليه بفتح المغلق ، كم أبدع في تأليفاته وأغرب ، وأدهش في مصنفاته وأعجب ، ورصّع من درّها النضيد وجوهرها الفريد في صفائح صحف الفضائل ، ما أعجز الأواخر ولم يأت بمثله الأوائل ، فلله دره من عالم
__________________
(١) وردت في (ع): «صهوان».
(٢) وردت في (ع): «الروض».
(٣) وردت في (م): «وتأليفاته» وفي (ع): «وبالتفاته».
(٤) وردت في (ع): «در».