ومنهم الشيخ الأوحد ، والأصيل الأمجد ، ذو البيت (١) الذي طارت مناقب نزاهته كل مطار ، وانتظمت أسلاك أصالته في أجياد الأسطار ، وسرت نسمات فضيلته سرى نسمات باسمات الأزهار ، وهمت سحاب سماحته كالغيث المدرار ، فسما في سماء المجد علما راسخ القواعد ، مشار إليه من كل غائب وشاهد ، حينا للصلة وآونة للعابد ، تصطفيه الرّتب العلية السّنية ، وتتنافس (٢) فيه الخطط الشرعيّة السّنّية ، [١٤٥ ب] فطورا مقدّما في أندية الأمراء والأعيان ، وتارة صدرا في قضاة العدل والإحسان ، القضائي الكمال التّادفيّ (٣) قاضي حلب ثم مكّة. كان صحبني من حلب إلى البلاد الرّوميّة ، فأسفر عن أعذب أخلاق ، وأكرم أعراق ، وأحسن طوية ، وأنشدني من (٤) نظمه قصيدة تائيّة ، ومقامه أكبر من الشعر ، وأعلى في القيمة وأغلى في السعر.
ومنهم الشيخ النبيل ، والفاضل الأصيل ، فخر النبلاء ، وأوحد الفضلاء ، القليل الأنظار والأشباه ، قاضي أزنكميد محيي الدّين محمد ابن قاضيها لطف الله ، حضر لدينا ببلده للسلام ، ثم أرسل هدية من الدجاج والفاكهة والأغنام. وبعث إلينا ألغازا فقهيّة وغيرها رآها في كتاب عنده ولم يدر ما هي فحللناها له وأجبناه عنها.
ومنهم الشاب النيّر ، الدّين الخيّر ، الصّالح الذكي ، الفاضل الزكي ، اللطيف الذات والطباع ، المباين بحسن الأخلاق أهل [١٤٦ أ] تلك البقاع ، عين الأزلام والأصحاب (الحاج مصلح الدّين لطفي بن الحاج) (٥) محمد الأزنكميديّ الشهير بابن القصّاب. من أعيان بلدة أزنكميد وكبارها وموسريها ورؤسائها وتجارها ، أقمنا عنده
__________________
(١) في الكواكب والشذرات : «النسب».
(٢) في الكواكب والشذرات : «وتستأنس به».
(٣) تقدّمت الإشارة إليه في مطلع الرحلة. وهو : محمد بن يوسف بن عبد الرحمن كمال الدّين أبو اللطف ، توفي سنة ٩٥٦ ه ، وجلّ هذه الترجمة أثبتها نجل صاحب الرحلة في الكواكب السائرة ٢ : ٦٣ ـ ، وانظر : شذرات الذهب ١٠ : ٤٤٩ ، إعلام النبلاء ٥ : ٥٢٣.
(٤) وردت في (ع) مصحفة : «وأسدى في».
(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل.