ومنهم الشيخ النبيل العريق الأصيل ، محيي الدّين (يحيى بن بركات بن المرجانيّ ، المكّي الأصل ، النيّر الوجه ، الأسود الشاش المشهور بابن قايماز قراباش ، رجل الكمال والكلام ، وصاحب الحال والمقام ، ذو الأذكار المأثورة والأوراد ، [١٤٨ أ] الشائع بين الأروام في أعلى مقامات الاعتقاد ، بيننا وبينه صحبة وخلّة ومحبّة ، وتودد وتردد ، والله تعالى يصلح أحوالنا ، ويبلغنا والمسلمين آمالنا بمنه وكرمه) (١).
ومنهم المقام العالي ، ذو المفاخر والمآثر والمعالي ، الأميري الكبيري العلائي علي ابن المرحوم السعيد الشهيد مولانا السّلطان المؤيد أحمد بن مولانا المرحوم السعيد الشهيد السّلطان الملك الأشرف إينال ، سقى الله عهدهما شآبيب الرحمة والأفضال ، وحرس سعده وثبت مجده ، أحلته هنالك الأقدار ، واطمأنت به في تلك المدينة الدار ، منعزلا عن مداخلة الناس إلّا بالتودّد والتلطّف والإيناس ، حضر مسلّما عليّ ومتودّدا إليّ. وبيننا وبينه مواددات لطيفة ، ومنافثات (٢) ظريفة ، والله تعالى يحرس من كل سوء ذاته الشريفة بمنه وكرمه آمين.
وليكن هو آخر سردهم ، وخاتمة عدّهم ، وواسطة عقدهم ، وأمّا من دون هؤلاء فجماعة لا يحصى لهم عددا ، ولا يبلغ الضابط لهم أمدا ، وهذا القدر كاف ، وبحصول المقصود واف ، ولنرجع إلى سياق الرحلة المباركة إن شاء الله تعالى فنقول : فلمّا استقر بنا الركاب في مدينة قسطنطينيّة في دار مولانا المشار إليه ، بعد العود من الرحلة الأزنكميدية ، على ما شرح من الأحوال المرضية ، نرتع في رياض مجاورة ومحاورة ، ونكرع في حياض مؤانسة ومذاكرة ، وفد الشتاء بقوته حاشرا عساكره وجنوده ، وناشرا راياته الدكن على الوجود وبنوده ، فأرسلت الرياح نشرا بين يدي الرحمة ، وتتابعت الأنواء والأنداء كقطع ليل مدلهمة ، وتفتّحت أبواب السماء بماء منهمر ، وتفجّرت الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ، ووقع الثلج ، وغمر النهج ، وامتلأ به الفج والمرج ، وستر سواد الأرض ببيض المطارف [١٤٩ أ] وحاد على الربا والوهاد بتالد من ذلك وطارف ، كما قال السري الرفاء : [من البسيط]
__________________
(١) ما بين القوسين بياض في (ع) ، وكتب في (م) على الهامش فذهب أغلبه.
(٢) وردت في (ع): «مباحثات».