أما ترى الثّلج قد خاطت (١) أنامله |
|
ثوبا يزرّ على الدنيا بأزرار |
نار ولكنها ليست بمبدية |
|
نورا وماء ولكن ليس بالجاري (٢) |
فيصبح الناس وصباحهم أبيض ، وجناحهم لا ينهض ، والعروق لا تنبض ، والبروق لا تومض ، والنيران مقرورة ، وشياه (٣) الجليد مطرورة ، والوجوه في عبوس ، والوجود في بؤس ، قد جمدت الأبدان حتى كأنها بلا نفوس ، فأقمنا نكابد من ذلك الحال في تلك الأيّام عيشا مريرا ، واستمرينا أيّاما عديدة نشابه أهل (٤) الجنّة بلا تشبيه في أنّا لا نرى فيها شمسا ولكن (٥) زمهريرا ، ونشرب المياه من كأس كان مزاجها بالثلج كافورا ، ونتخذ النار من البرد جنّة ، ونرضى بها ونحن المؤمنين (٦) بأن تكون لنا جنّة ، ولم يزل البرد مشتد الشكيمة ، ماضي العزيمة ، قد تهدد وتوعّد ، وأبرق [١٤٩ ب] وأرعد ، والأنواء متواردة ، والأنداء متوافدة ، وإن لم تكن متتابعة ، ولا كبقية السنين متزايدة ، فإنّ هذا العام على ما شرح ـ ولله الحمد ـ أقلّ بردا من بقية الأعوام ، كما أجمع عليه من سكن الرّوم من العرب والعجم والأروام ، واستمر جيش الغمام محاصرا ليالي وأيّام ، يجرد بوارقه ، ويخوف بصوت رعده صواعقه ، ويفوق عن قوسه الممدود في الأفق نبل وبله ، ويبعث تحت مدد قطره سرايا سيوله ، فيستولي على الربى بخيله ورجله ، والثلوج قد شابت منها قلب الرجال ، كما شابت بها مفارق الجبال ، إلى أن هزمه الربيع بجنده ، وغلبه بجيوش زهره وشوكة ورده ،
__________________
(١) وردت في (م): «حاكت».
(٢) البيتان في يتيمة الدهر ٢ : ١١٨ ومعاهد التنصيص ٣ : ١١٢.
(٣) وردت في (ع): «وشنان».
(٤) وردت في (م) و (ع): «أصحاب».
(٥) وردت في (ع) : ولا.
(٦) وردت في جميع النسخ : «المؤمنون».