كان على غاية ما يكون عليه ، زاهد (ح ح) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقف الملوك ببابه فلا يصلون اليه ، وإن أذن لهم جلسوا بين يديه ، لم يدع أحدا منهم إلّا باسمه ، ولم يعامله إلّا بما ينافي قاعدة رسمه. سمع عليه الحديث بالموصل واربل وغيرهما. إلّا أنه كان بإربل أقلّ إسماعا. حضرت في بعض قدماته وسألته السماع عليه ، فقال : أفعل ـ إن شاء الله ـ فإنّي قد وصلت وأنا في تعب الطريق. فسألته : الإجازة ، فتلفظ لي بها. ثم منعت عن لقائه موانع ، فسافر من إربل وغاب عنها غيبة طويلة ، ثم عاد فمنع أحد أن يدخل عليه البتّة ، فدخلت عليه مرة فرأيت رجلا / قد نهكته العبادة ، كان يأكل في كل شهر نصف مكوك (أ) حنطة يحمله فتوتا وينقعه في كل ليلة عند افطاره ويأكله في زبدية خضراء مخروشة فانكسرت منها قطعة كبيرة ، فقلت للقيّم بأمره : ولم لا يشتري الشيخ عوضها؟ فقال : قد استأذنته في ذلك ، فقال : هذه تكفيني الى أن أموت ، فمات ولم يأكل في غيرها. وكان مأكوله من غلّة ملك له ، وكان يأكل معه يسيرا من الزبيب الأسود.
وأقام بإربل إلى أن مات ـ رحمه الله ـ ولم ينم صيفا او شتاء إلّا داخل الدار التي كان فيها ، لم يخرج الى سطح ولا الى ساحة ، ولا أوقد عنده سراج قط. كان ـ فيما بلغني ـ يكتب الكتاب الكريم بيده من حفظه ، وكان تحته بارية صغيرة (ب) وعليها توفي. فحضرته وقد مرض في شهر رمضان في أول مرضه وسئل الدعاء لي ، فدعا لي ـ رحمه الله ـ وكان صائما فلم يفطر حتى غلب عليه المرض ، وكان يعطى الثلج وهو لا يعلم. وكان تحت رأسه لبنة فسئل تغيير هذه الحالة فأبى ، فلمّا لم يعلم بحاله جعل تحته كيس خام محشوة. فلم يزل على هذه الحال الى ان توفي ليلة الجمعة التي صبيحتها عاشر شهر رمضان من سنة احدى وتسعين وخمسمائة ، ودفن ضاحي نهاره بالمقبرة العامة (١١) ظاهر إربل من شرقيها ، وكان يوم دفنه مشهودا. نزل الى قبره وألحده الفقير الى الله ـ تعالى ـ