الأمبراطور (كونستانتيوس) الذي أوفد عام ٣٥٦ م أول سفارة مسيحية إلى جنوب الجزيرة برئاسة (تيوفيلوس) وقد نجح هذا المبشر في إنشاء ثلاث كنائس في اليمن ؛ واحدة في ظفار ، والثانية في عدن ، والثالثة في نجران. وليس هناك خبر عن كنيسة أنشئت في صنعاء. وكانت نجران أهم مراكز المسيحية في الجنوب وقد نقل إليها هذه الديانة على مذهب (الطبيعة الواحدة) رجل ورع من سورية اسمه (قيميون) ، وذلك حوالي سنة ٥٠٠ م ، وفي نجران بنيت كعبة (القليس) لتصرف الحبشة أذهان العرب عن الحج إلى الكعبة في مكة.
ويذكرني حديث الرازي عن دخول عيسى بن مريم إلى صنعاء بما يذكره الأزرقي صاحب (أخبار مكة) في صدد حديثه عن تماثيل الكعبة يوم دخلها الرسول بعد الفتح ، ومن وجود تمثال لمريم وعيسى فيها ، وأن التمثال كان يمثل مريم جالسة وفي حجرها عيسى وأنه كان موضوعا عند العمود الذي يلي باب الكعبة. ولا أريد في هذه العجالة أن أناقش الأمر مجددا فقد ناقشته في مناسبة سابقة (انظر كتابي : تاريخ العرب القديم ، وعصر الرسول ص ٢٨٦ ـ ٢٨٨) ، ولكني أود هنا أن أنتهي إلى ما انتهيت إليه في المناسبة السابقة من أن هذا النوع من الأخبار مضعف ، ويفتقر إلى ما يؤيد صدقه ، وقد ينفرد به مؤلف أو راوية واحد ، ولا تجد له ما يماثله عند غيره ، مما يجعل قبوله أمرا بالغ العسر.
ويدخل ضمن هذا النوع من الأخبار عند (الرازي) ما يذكره عن سفينة نوح (ص ٢٩٠) وقصة صالح في قومه (ص ٣١١) وقصة قوم لوط (ص ٣١٢) وما بعدها ، وكلها من الأمور التي تحتاج إلى دقة وتقصّ للحقيقة تبعدها عن الخرافة وتضعها في موضعها اللائق من المنظومة التاريخية المحققة.
ثانيا : رغم أن المؤلف قصد أن يكون كتابه سجلا لتاريخ وجغرافية ورجالات صنعاء واليمن ففيه ثروة من المعلومات التي تفيد الباحث في تاريخ العرب والإسلام عموما. فتراه يتحدث عن الفتوحات العربية وما قام به الخليفة