متنوري اليمن المبادرة إلى تجميع ما نجا من الحوادث والكوارث من كتب التراث بعامة وتراث المعتزلة بخاصة ، فتراث المعتزلة هذا حفظ اليمن منه الكثير بفضل جهود الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان (٥٨٣ ـ ٦١٤ ه) أحد الأئمة الزيود المجتهدين فقد واصل جمعه واهتم بنسخ كتب المعتزلة ومصنفاتهم بعد أن بدأ ذلك الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (٥٣٢ ـ ٥٦٦ ه) الذي كان في عصره اجتلاب كتب المعتزلة من العراق إلى اليمن على يد أحد أعوانه الأفذاذ من العلماء العاملين وهو القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام شيخ الزيدية ومتكلمهم ومحدثهم في عصره (المتوفى سنة ٥٧٣ ه) (١). ولقد كان هذا القاضي عاملا مباشرا عرفناه في نقل هذه الكتب وحفظها في اليمن ، وثمة عامل هام آخر ذلك هو العلاقة والتقارب في الفكر المعتزلي بين المعتزلة والزيدية في اليمن ، تلك العلاقة وذلك التقارب اللذان كانا مبعثا لطمأنينة أصحاب التراث المعتزلي في أن يجدوا من قمم اليمن وسهوله الشمالية ملاذا أمينا لتراثهم الفكري من أن تعبث به سطوة مناوئيهم من أصحاب المذاهب الأخرى في مختلف الأقطار الإسلامية.
وغير كتب المعتزلة كثير وكثير جدا من مصنفات التفسير ، والفقه ، والحديث ، واللغة ، والتاريخ ، والرجال ، والآداب ، وغير ذلك من مختلف
__________________
(١) كشفت البعثة المصرية التابعة لوزارة المعارف عن مجموعة نادرة من تراث المعتزلة وذلك في زيارتها لليمن (١٩٥١ ـ ١٩٥٢ م) كما قام المرحوم الأستاذ فؤاد سيد بجهود مشكورة في هذا السبيل ، وزار اليمن أكثر من مرة وأخرج سنة ١٩٥٧ م طبقات فقهاء اليمن لابن سمرة الجعدي (ت ٥٨٦ ه) ووعد صديقه المرحوم القاضي محمد بن عبد الله العمري في إخراج طبقات الزيدية ليحيى بن الحسين (ت ١١١٠ ه) وطبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار بن أحمد (ت ٤١٥ ه) ، وقد عاجلته المنية قبل أن يرى الكتاب القيم الذي اكتشف وحقق مخطوطته اليمنية الوحيدة وصدر عن الدار التونسية للنشر باسم (فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة) ـ تونس ١٩٧٢ م ، بعد أن أعدها وقدم لها ابنا المرحوم أيمن وأحمد فؤاد سيد.