وقال : قال لي أبي : كان وهب بن منبه يصلي بوضوء العتمة الصبح. وكان وهب ذا فصاحة وبلاغة وموعظة وخطابة بصيرا بالكتب قارئا لجميعها ذا علم وفقه وفضل (١) وخير إن شاء الله تعالى. وكان قد قرأ كتب عبد الله بن سلّام وكعب الأحبار ، وكان قد صحب عبد الله بن عباس قبل أن يكف بصره ، وبعد أن كف بصره ، وكان وهب يأخذ / بيده فيعبر به إلى المسجد الحرام وإلى غيره (٢) ، ويقال : إنه صحبه ثلاث عشرة سنة فأخذ عنه علما كثيرا ، وكان يأذن له عبد الله بن عباس في الكلام في مجلسه والموعظة والتذكرة عما قرأ في الكتب القديمة التي أنزلها الله تعالى (٣) ، وابن عباس يومئذ في فضله وعلمه ترجمان الدين (٤) وبحر العلم ، وكان وهب يقول : «قرأت اثنين وسبعين كتابا نزل من السماء ، وشاركت الناس (في علمهم ، وعلمت كثيرا مما لم يعلم الناس) (٥) ، فوجدت أعلم الناس (بهذا الأمر) (٦) أسكتهم عنه ، ووجدت أجهلهم به أنطقهم به ، ووجدت الناظر فيه كالناظر في شعاع الشمس كلما ازداد فيها نظرا ازداد فيها تحيرا ـ يعني الكلام في قضاء الله وقدره والكلام في الله تعالى وفي صفاته عزوجل».
وكان وهب لا يماري ولا يجادل أحدا من أهل الأهواء والبدع ويقول : «إني لا أخلو من أحد رجلين إما رجل أكون أنا أعلم منه وأدرى منه ؛ فكيف أماري وأجادل من أنا عند نفسي أعلم منه ، أو رجل [يكون](٧) أعلم مني وأدرى ؛ فيكف أماري وأجادل من هو أعلم مني ، فقطعت المراء والجدال لفضل عاقبته».
__________________
(١) ليست في مب.
(٢) «إلى غيره» ليست في حد.
(٣) «التي أنزلها الله تعالى» ليست في حد.
(٤) بدلها في حد ، صف : «القرآن».
(٥) ما بين القوسين ساقط في مب.
(٦) من : حد ، صف ، مب.