وقيل : إن جبانة صنعاء هذه كانت بباب واحد ، والدور شارعة عن يمين وشمال باسقة في الهواء ، فإذا كان يوم العيد أمر أهلها خدمهم رشوها بالماء وفرشوها حصر السامان ، ويطرح فيها الأطياب من العود الرطب وغيره ، وتبرد فيها كيزان الماء من الفجر إلى انصراف الإمام من الصلاة.
وكانت ظلا ممدودا ، والدور حواليها لبني جريش ، وكان قد اتخذوا حلقا من الصّفر مجوّفة على صورة الثور ، وهم آخر من يقفل الأبواب ، فإذا أقفلوا أبوابهم صوّت / كل واحد منهم بابه بالحلقة ، فيسمع صوته في البلد كلها ، فيعلم أنهم قد أقفلوا أبوابهم.
وروي أن بعض ولاة صنعاء كانت له جارية حظيت عنده وكانت من القيان (١) وأن بعض ولاة زبيد سأله إياها ، وأكثر عليه السؤال ، فوجه بها إليه وأكرمت عنده ، فلما كان يوم عيد ، إما أضحى وإما فطر ، ذكرت ما كانت فيه تشاهده في جبانة صنعاء واستنقصت حال زبيد ، قالت في ذلك أبياتا منها (٢) :
سقى جبّانة لبني جريش |
|
وخندقها أجشّ من الغمام |
لعمرك للسّقاية والمصلّى |
|
وغزلان بها يوم التّمام |
أحبّ إليّ من شطّي زبيد |
|
ومن رمع ومن وادي سهام |
لأن الجبانة قريبة من خندق صنعاء الأول ، وقد رأيته ، ومسجد فروة على شفير الخندق ، وهذا كان في وقت عمارة صنعاء ، فخربت الدور واندرس ذكر الجبانة وانطمس ذكر فضلها في مدة لأحوال عرضت من ظهور المبتدعين
__________________
(١) في الأصل العبارة قلقة صورتها : «كانت له جارية حظيت عنده ويخرج العاس وعرفت خروجه إغلاقهم أبوابهم من القيان» فقومناها من تاريخ صنعاء ص ١٤٢
(٢) سترد هذه الأبيات ضمن قصيدة عزاها المؤلف إلى يحيى بن محمد الحميري ، في حين أنها هنا منسوبة إلى الجارية ، وكذلك فعل الرازي في تاريخ صنعاء ص ١٤٣. ولعل الحميري قد ضمنها قصيدته كما هو واضح من تضمينه؟؟؟