طويلة تكون ثماني سنين ، في السنة أيام قليلة ، وصدقة المسجد الجامع مقبوضة بأيدي أهل الأمر والولاة في هذه المدة التي كانت المنارة فيها خرابا. وجعل في المسجد الجامع معاقيب شرقيّه ويمانيّه وغربيّه ولم يبق سوى القبليّ منه ، والحجرة التي لا سقف فيها وعقب وخزن فيه طعام السلطنة أهل الدولة مدة تكون اثنتي عشرة سنة ، طعاما كثيرا في كل هذه الجهات. فلما أن انتقلت الدولة إلى الأمير الأجلّ الأغر علم الدين ورد سار بن بيامي ـ جدد الله سعده وزكا عمله ـ ذاكرته في هدم هذه المعاقيب وتنظيف المسجد منها ، فأذن لي بذلك ، فهدمت المعاقيب في أيامه الشريفة ـ أدامها الله تعالى ـ ونقل الناس لبنها إلى بيوتهم ، وأتي بالبقر والمجارّ فأقامت البقر فيه أياما كثيرة بل أشهرا برسم جرور ما اجتمع فيه من الترب والحجارة وغير ذلك حتى تنظفت وطابت عرصاته هذه كلها قبل عمارة الجبانة.
يرجع الحديث إلى عمارة المنارة المذكورة الشرقية :
ثم إن هذا الأمير ـ أمده الله تعالى بالتوفيق ـ أمر بعمارة هذه المنارة ، فجهز لها البنائين / والجعلاء وحمّالة تحمل الجص من المحاجر ، مع أموال بذلها وسلمها ، اشتري بها جص محمول إلى المسجد ، وحضر الأمير ـ أعزه الله تعالى ـ عمارتها ، أكثر زمان عمارتها لا يغيب عنها إلا إذا توجه إلى غزوة يغزوها. حتى إذا وصلت العمارة إلى موضع الدرابزين فأمر بعمل الدرابزين فيها ، فعمل من ألواح جيدة حسنة مزوقة ، وسمّرت بالمسامير الحديد البليغة الغليظة. وجعل الدرابزين بنفسه من الساج ، وسمر بالمسامير ، وأحكمت صنعته ولم يعلم قط منذ الإسلام أنه كان في صنعاء منارة لها درابزين ، ولا في مخلاف جعفر ولا في جميع الجبال من بلاد اليمن ، حتى أحدث في مدينة صنعاء منارة بأمر هذا الأمير ـ أعلى الله ذكره ـ. ولم يكن أحد من صناع صنعاء عمل قبلها منارة بدرابزين ولا شاهدها ، وهم الذين عملوه برأي الأمير وترتيبه لهم ، لأنه قد شاهد ـ لا شك ـ في الشام جنسها ، وهو حسن الرأي ، متسع العقل ، كامل في جميع الأمور.