هذه المدة ، والبحر دونك ودونهم؟ فأشار عليه أن لا يفعل فقبل منه.
وكان نزول عبد الرّحمن قبل أن يعبر إلى الأندلس بقوم من البربر يقال لهم : بنو ماسين فأقام عندهم ، ثم عبر إلى الأندلس ، وقال للذي كان عنده : إن سمعت بأول وال ولي الأندلس فارحل إليه ، فلما دخل وتمّ له أمر الأندلس رحل إليه الذي كان عنده ، واسمه خلف ، فأقام ببابه مدة لا يصل إليه ، فركب عبد الرّحمن ذات يوم فعرض له الرجل من بعد فعرفه ، فأمر بعض من معه أن يأخذه ويصيّره عنده ويبرّه ويحسن إليه إلى رجوعه ، فصار به إلى منزله وفرشه له حتى قدم عبد الرّحمن فدعا به وسأله عن أهله وعياله ومن خلّف منهم ، وقال له : سل ما تريد ، فقال : تهب لي غلاما وجاريتان (١) يرعيان علينا ، فقال له : نحن نعطيك عشرة من الغلمان وعشرا (٢) من الجواري ، ثم إن عبد الرّحمن وجّه رسولا من عنده فعدا البحر حتى أتى منزلهم ، فرحل بهم جميعا ، فلم يشعر البربري إلّا بأهله وولده وجميع حشمه عنده ، وكان يحمده في نزوله عنده ، وقال : كان أهله وولده يبرّونه ويخدمونه ، فلما ورد عليهم سأله منزلا وفرشه لهم ووسع عليهم ، فأهل ذلك البيت بالأندلس إلى اليوم يولّون ويبرّون.
قرأت على أبي الحسن سعد الخير بن محمّد (٣) ، عن أبي عبد الله الحميدي قال (٤) :
أول أمراء بني أمية بالأندلس عبد الرّحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ، يكنى أبا المطرّف ، مولده بالشام سنة ثلاث عشرة (٥) ومائة ، وأمّه أم ولد ، واسمها راح ، هرب لمّا ظهرت دولة بني العباس ، ولم يزل مستترا إلى أن دخل الأندلس في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين ومائة في زمن أبي جعفر المنصور ، فقامت معه اليمانية ، وحارب يوسف بن عبد الرّحمن بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري الوالي على الأندلس فهزمه ، واستولى عبد الرّحمن على قرطبة يوم الأضحى من العام المذكور ، فاتصلت ولايته إلى أن مات سنة اثنتين (٦) وسبعين ومائة ، كذا قال لنا أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد الفقيه : يوسف بن عبد الرّحمن بن أبي عبيدة ، ورأيت في غير موضع : يوسف بن عبد الرّحمن بن حبيب (٧) بن
__________________
(١) في م : وجارية.
(٢) بالأصل وم : وعشرة.
(٣) المشيخة ٧٠ / ب.
(٤) الخبر في جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس ص ٨.
(٥) بالأصل : ثلاثة عشر ، والصواب عن م وجذوة المقتبس.
(٦) بالأصل وم : اثنين.
(٧) كذا بالأصل وم ، وهو ما ورد في بغية الملتمس ص ١٥ ، والذي في جذوة المقتبس هنا : يوسف بن عبد الرّحمن بن أبي عبدة.