يخرج عن جانبي الزجاجة ، فيحدث لها نور يسخن الهواء الذي يحيط بالزجاجة أو بالأرض ، فيقترف الماء شبه تسخين ينمي به ويزيد وذلك قبالة القرص ، وقبالة مخرج الشعاع من قبالة وتد القمر ، فهذا هو المدّ دائما ، ويستدير باستدارة الفلك ، وتدويره لفلك القمر وتدوير فلك القمر للقمر.
والمدّ الشهريّ هو أن يقابل القمر الشمس أو يستتر تحتها. لأنه ليس إلا كون القمر قبالة الشمس لكونه في تربيع الشمس أضعف وفي المقابلة أقوى ، وكذلك إذا قابلها على وسط كرة الأرض بحيث تكون الحركة أشدّ ، والاكتناف للماء والأرض أعم فذلك هو المدّ السنوي.
فصل في الردّ على من اعتقد أن النيل من سيل يفيض
أما العامة فليس عندهم ما يجيء على وجه الأرض أنه سيل ، ومن تفطن إلى عظمه واتساعه في أسفله وضيقه في أعلاه ، ولم ينظر إلى ماء ولا أرض ، ولا هواء. نسب ذلك إلى الخيال المحض.
كما فعل صاحب كتاب المسالك والممالك : الذي زعم أن الماء يسافر من كل أرض ، وموطن إلى النيل تحت الأرض فيمدّه لأن النيل إنما يفيض في الخريف. والعيون والآبار في ذلك الوقت يقل ماؤها ، والنيل يكثر فرأوا كثرة وقلة فأضافوا أحدهما إلى الآخر بالخيال ، ومما يدلك على أنه ليس عن سيل يفيض أن السيل يكون في غير وقت فيض البحر ، ولا يفيض النيل لكون البحر في الجزر ، فيصل السيل ويمرّ نحو البحر ، فلا يردعه رادع ..
ومنها : أن فيض النيل على تدريج مدّة ثلاثة أشهر من حلول الشمس رأس السرطان إلى حلولها بآخر برج السنبلة ، والناس يحسبون به قبل فيضه بمدّة شهرين ولعامل مصر في وسط النيل مقياس موضوع ، وهو سارية فيها خطوط يسمونها أذرعا يعلم بها مقدار صعوده في كل يوم ..
ومنها : أن فيضه أبدا في وقت واحد ، فلو كان بالسيل لاختلف بعض الاختلاف.
ومنها : أنه قد يجيء السيل في غير هذا الوقت فلا يفيض.
ومنها : أن الحذاق بمصر إذا رأوا الحر يزيد علموا أن النيل سيزيد لأنّ شدّة الحرّ تذيب الهواء فيذوب الماء ، ولا يكون إلا عن زيادة كوكب ، ودنوّ نور.
ومنها : أن موضع مصبه من أسوان إنما هو واد من الأودية وما أسحل اتسع حتى يكون عرض اتساعه نحوا من مائة ميل وأسوان هو منتهى بلوغ الردع ، فما ظنك بسيل مسيره نصف شهر لا نسبة بين مصب أعلاه وأسفله ، كيف كان يكون أعلاه لو كان امتلاء أسفله عن