بالنار ، وجعلته في هواء الليل حتى يروق ، ثم نظفت منه ما يروق واستعملته.
وإذا ظهرت فيه كيفيات رديئات فاطبخه بالنار ثم بردّه تحت السماء في برودة الليل ، وصفه بأخلاط الأدوية التي ذكرتها وأجود ما اتخذ هذا الماء أن يصفى مرارا ، وذلك بأن يسخنه أو يطبخه ، ثم يبرّده في هواء الليل ، ويقطف ما يروق منه فتصفيه أيضا ببعض الأدوية ثم تأخذ ما يروق فتجعله في آنية تمصل في برد الليل ، وتأخذ الرشح فتشربه ، واجعل آنية هذا الماء في الصيف الخزف ، والفخار المعمولين في طوبة والظروف الحجرية ، والقرب ونحوها مما يبرد. وفي الشتاء الآنية الزجاج والمدهون ، وما يعمل في الصيف من الفخار ، والخزف ويكون موضعه في الصيف تحت الأسراب وفي مخاريق ريح الشمال ، وفي الشتاء بالمواضع الحارة ، ويبرد في الصيف بأن يخلط معه ماء الورد ، ويؤخذ خرقة نظيفة ويشدّ فيها طباشير وبزر رجلة أو خشخاش أبيض أو طين أرمنيّ ، أو مغرة ويلقي فيه كيما يأخذ من بردها ، ولا يخالطه جسمها ، وتغسل ظروفه في الصيف بالخزف المدقوق وبدقيق الشعير ، والباقلاء والصندل.
وفي الشتاء بالأشنان والسعد ويبخر بالمصطكى ، والعود. وأردأ ما يكون ماء النيل بمصر عند فيضه ، وعند وقوف حركته ، فعند ذلك ينبغي أن يطبخ ويبالغ في تصفيته بقلوب نوى المشمش وسائر ما يقطع لزوجته. وأجود ما يكون في طوبة عند تكامل البرد ، ومن أجل هذا عرفت المصريون بالتجربة أن ماء طوبة أجود المياه حتى صار كثير منهم يخزنه في القوارير الزجاج والصينيّ ويشربه السنة كلها ، ويزعم أنه لا يتغير وصاروا أيضا لا يصفونه في هذا الزمان لظنهم أنه على غاية الخلاص ، وأما أنت فلا تسكن إلى ذلك وصفه على أي حالة كان فالماء المخزون لا بدّ أن يتغير فهذا ما عندي من ذمّ ماء النيل. وحاصله : أن الماء تتغير كيفيته بما يمرّ عليه ، لا أن ذاته ردية ، فلا يهولنك ما تسمع ، فما الأمر إلا ما قلت لك ، وإذا كان الضرر بحسب ما تغير من كيفيته لا من كميته ، فقد عرفت ما تعالجه به كي يزول ما يخالطه من الكيفيات الردية ، والله الموفق بمنه وكرمه.
ذكر عجائب النيل
ومن عجائب النيل فرس البحر. قال عبد الله بن أحمد بن سليم الأسواني في كتاب أخبار النوبة : ومسافة ما بين دنقلة إلى أوّل بلد علوة أكثر مما بين دنقلة وأسوان ، وفي ذلك من القرى والضياع والجزائر ، والمواشي والنخل والشجر والمقل والزرع والكرم. أضعاف ما في الجانب الذي يلي أرض الإسلام.
وفي هذه الأماكن جزائر عظام مسيرة أيام فيها الحيات والوحوش والسباع ، ومفاوز يخاف فيها العطش ، وماء النيل ينعطف من هذه النواحي إلى مطلع الشمس ، وإلى مغربها مسافة أيام حتى يصير الصعيد كالمنحدر ، وهي الناحية التي تبلغ العطوف من النيل إلى