وذكر القاضي الفاضل في مياوماته : أنه عبر البلاد من إسكندرية إلى عيذاب لسنة خمس وثمانين وخمسمائة خارجا عن الثغور ، وأرباب الأموال الديوانية ، وعدّة نواح أربعة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وخمسين ألفا وتسعة وعشرين دينارا ، ثم تقاصرت إلى أن جباها القاضي الموفق أبو الكرم بن معصوم العاصميّ التنيسيّ ، عينا خالصا إلى بيت المال بعد المؤن ، والكلف ألف ألف دينار ، ومائتي ألف دينار إلى آخر سنة أربعين وخمسمائة ، ثم بعده لم يجبها هذه الجباية أحد حتى انقرضت الدولة الفاطمية.
وسبب اتضاع خراج مصر ، بعد ما بلغ مع الروم في آخر سنة ملكوا قبل فتح مصر عشرين ألف ألف دينار ، أن الملوك لم تسمح نفوسهم بما كان ينفق في كلف عمارة الأرض ، فإنها تحتاج أن ينفق عليها ما بين ربع متحصلها إلى ثلثه ، وآخر ما اعتبر حال أرض مصر ، فوجد مدّة حرثها ستين يوما ، ومساحة أرضها مائة ألف ألف وثمانين ألف ألف فدّان ، يزرع منها في مباشرة ابن مدبر أربعة وعشرون ألف ألف فدّان ، وإنه لا يتم خراجها ، حتى يكون فيها أربعمائة ألف وثمانون ألف حرّاث يلزمون العمل فيها دائما ، فإذا أقيم بها هذا القدر من العمال في الأرض تمت عمارتها ، وكمل خراجها ، وآخر ما كان بها مائة ألف وعشرون ألف مزارع في الصعيد ، سبعون ألفا ، وفي أسفل الأرض خمسون ألفا ، وقد تغير الآن جميع ما كان بها من الأوضاع القديمة ، واختلت اختلالا فاضحا.
ذكر أصناف أراضي مصر وأقسام زراعتها
اعلم أن أراضي مصر عدّة أصناف : أعلاها قيمة وأوفاها سعرا وأعلاها قطيعة الباق (١) ، وهو : أثر القرط ، والمقاثي (٢) فإنه يصلح لزراعة القمح ، وبعد الباق ري الشراقي ، وهو الأرض التي ظمئت في الخالية ، فلما رويت في الآتية ، وصارت مستريحة من الزرع ، وزرعت أنجب زرعها ، والبرايب ، وهو أثر القمح والشعير وسعرها دون الباق لضعف الأرض بزراعة هذين الصنفين ، فمتى زرعت على أثر أحدهما لم ينجب كنجابة الباق ، والبرايب صالح لزراعة القرط والقطاني والمقاثي ، فإن الأرض تستريح بزراعة هذه الأصناف وتصير في القابل أرض باق ، والسقماهية أثر الكتان فإن زرعت قمحا خسر ، والشتونية أثر ما روي ، وبار في السنة الماضية ، وهو دون الشراقي ، والسلايح ما روي وبار فحرث وتعطل ، وهو مثل ريّ الشراقي فإن زرعه يكون ناجبا والنقا : كل أرض خلت من أثر ما زرع فيها ، ولم يبق بها شاغل عن قبول ما يزرع فيها من أصناف الزراعات ، والوسخ : كل أرض استحكم وسخها ، ولم يقدر الزارعون على إزاحته كله منها بل حرثوا ، وزرعوا فيها فجاء
__________________
(١) الباق : أثر القرط والقطاني والمقاثي. صبح الأعشى ٣ / ٥١٧.
(٢) المقاثي : من القثاء ، وهو عبارة عن الخيار والعجور والفقوس. صبح الأعشى ٢ / ٤١٢.