سبعمائة من حجارة ، كل حجر خمسون ذراعا ، وعند مدينة فرعون موسى أهرام أكبر وأعظم ، وهرم آخر يعرف بهرم ، مدون كأنه جبل ، وهو خمس طبقات ، وفتح المأمون الهرم الكبير الذي تجاه الفسطاط ، قال : وقد دخلت في داخله ، فرأيت قبة مربعة الأسفل مدوّرة الأعلى كبيرة في وسطها بئر عمقها ، عشرة أذرع ، وهي مربعة ينزل الإنسان فيها ، فيجد في كل وجه من تربيع البئر بابا يفضي إلى دار كبيرة فيها موتى من بني آدم عليهم أكفان كثيرة أكثر من مائة ثوب على كل واحد ، قد بليت بطول الزمان واسودّت وأجسامهم مثلنا ليسوا طوالا ، ولم يسقط من أجسامهم ، ولا من شعورهم شيء ، وليس فيهم شيخ ، ولا من شعره أبيض ، وأجسادهم قوية لا يقدر الإنسان أن يزيل عضوا من أعضائهم البتة ، ولكنهم خفوا حتى صاروا كالغثا لطول الزمان ، وفي تلك البئر أربعة من الدور مملوءة بأجساد الموتى ، وفيها خفاش كثير ، وكانوا يدفنون أيضا جميع الحيوان في الرمال ، ولقد وجدت ثيابا ملفوفة كثيرا مقدار جرمها ، أكثر من ذراع ، وقد احترقت تلك الثياب من القدم ، فأزلت الثياب إلى أن ظهرت خرق صحاح قوية بيض من كتان أمثال العصائب فيها أعلام من الحرير الأحمر ، وفي داخلها هدهد ميت لم يتناثر من ريشه ، ولا من جسده شيء كأنه قد مات الآن.
وفي القبة التي في الهرم ، باب يفضي إلى علو الهرم ، وليس فيه درج عرضه نحو خمسة أشبار ، يقال : إنه صعد فيها في زمان المأمون فأفضوا إلى قبة صغيرة فيها صورة آدمي من حجر أخضر كالدهنج ، فأخرجت إلى المأمون ، فإذا هي مطبقة ، فلما فتحت وجد فيها جسد آدميّ عليه درع من ذهب مزين بأنواع الجواهر وعلى صدره نصل سيف لا قيمة له ، وعند رأسه حجر ياقوت أحمر كبيضة الدجاجة يضيء كلهب النار فأخذه المأمون.
وقد رأيت الصنم الذي أخرج منه ذلك الميت ملقى عند باب دار الملك بمصر في سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
وقال القاضي الجليل أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي : روي عليّ بن الحسن بن خلف بن قديد عن يحيى بن عثمان بن صالح عن محمد بن عليّ بن صخر التميميّ قال : حدّثني رجل من عجم مصر من قرية من قراها تدعى قفط ، وكان عالما بأمور مصر وأحوالها وطالبا لكتبها القديمة ومعادنها ، قال : وجدنا في كتبنا القديمة ، قال : وأما الأهرام فإن قوما احتفروا قبرا في دير أبي هرميس ، فوجدوا فيه ميتا في أكفانه ، وعلى صدره قرطاس ملفوف في خرق فاستخرجوه من الخرق ، فرأوا كتابا لا يعرفونه ، وكان الكتاب بالقبطية الأولى ، فطلبوا من يقرأه لهم ، فلم يقدروا عليه ، فقيل لهم : إنّ بدير القلمون من أرض الفيوم راهبا يقرأه ، فخرجوا إليه ، وقد ظنوا أنه في الضيعة ، فقرأه لهم ، وكان فيه : كتب هذا الكتاب في أوّل سنة من ملك ديقلطيانس الملك ، وإنّا استنسخناه من كتاب نسخ : في أوّل سنة من ملك فيلبش الملك ، وإنّ فيلبش استنسخه من صحيفة من ذهب فرق كتابتها حرفا حرفا ، وكان من