جبى الخراج بمصر ، وأوّل من أمر بالإنفاق على المرضى ، والزمنى من خزائنه ، وأوّل من سنّ رقعة الصباح ، وعمل أعمالا عجيبة ، منها مرآة من أخلاط كان ينظر فيها إلى الأقاليم فيعرف فيها ما حدث من الحوادث ، وما يخصب منها وما يجدب ، وأقام هذه المرأة في وسط مدينة أمسوس ، وكانت من نحاس.
وعمل في أمسوس صورة امرأة جالسة في حجرها صبيّ ترضعه ، وكانت المرأة من نساء مصر إذا أصابتها علة في موضع من جسمها أتت هذه الصورة ، ومسحت ذلك الموضع من جسدها بمثل ذلك الموضع من الصورة ، فتزول عنها العلة ، وإن قلّ لبنها مسحت ثديها بثدي الصورة فيغزر لبنها ، وإن قلّ حيضها مسحت فرجها بفرج الصورة فيكثر حيضها ، وإن كثر دمها مسحت أسفل ركبها بمثل ذلك من الصورة ، وإن عسرت ولادة امرأة مسحت رأس الصبيّ الذي في حجر الصورة ، فتضع حملها ، وإن أرادت التحبب إلى زوجها مسحت وجهها وتقول : افعلي كذا وكذا ، فإذا وضعت الزانية يدها عليها ارتعدت حتى تتوب ، ولم تزل هذه الصورة إلى أن أزالها الطوفان ، وفي كتب القبط : أنها وجدت بعد الطوفان ، وأن أكثر الناس عبدوها.
وعمل سوريد ، صنما من أخلاط كثيرة ، فكان من أصابته علة في موضع من جسده غسل ذلك الموضع من الصنم بماء وشرب الماء ، فإنه يبرأ وسوريد هذا هو الذي بنى الهرمين العظيمين بمصر المنسوبين إلى شدّاد بن عاد ، والقبط تنكر أن تكون العادية دخلت بلادهم لقوّة سحرهم ، ولما مات سوريد دفن في الهرم ومعه كنوزه ، ويقال : إنه كان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة وأنه ملك مائة سنة وتسعين سنة.
فملك بعده ابنه هرجيب ، وكان كأبيه حكيما فاضلا في علم السحر والطلسمات ، فعمل أعمالا عجيبة ، واستخرج معادن كثيرة وأظهر علم الكيمياء ، وبنى أهرام دهشور وحمل إليها أموالا عظيمة وجواهر نفيسة ، وعقاقير وسمومات ، وجعل عليها روحانيات تحفظها وشج رجل رجلا ، فأمر بقطع أصابعه وسرق رجل مالا ، فملك المسروق له رق السارق ، ولما مات دفن في الهرم ، ومعه جميع أمواله وذخائره.
وملك بعده ابنه مناوس ، ويقال : منقاوس ، وكان كأبيه في الحكمة إلا أنه كان جبارا فاسقا سفاكا للدماء ، ينتزع النساء من أزواجهنّ ويبيح ذلك لخواصه ، وعمل أعمالا عجيبة واستخرج كنوزا وبنى قصورا من ذهب وفضة ، وأجرى فيها الأنهار وجعل حصباءها من أصناف الجواهر النفيسة ، وسلط رجلا جبارا اسمه : قرناس ، على الناس ووجّهه لمحاربة الأمم الغريبة ، فقتل منهم خلائق ، ولما مات دفن في بعض قصوره ومعه أمواله ، وعمل عليه طلسم يحفظه ويمنعه من كل طالب.
وملك بعده ابنه أفروس ، وكان كأبيه في العلم والحكمة ، ولما ملك أظهر العدل