عامّة أهل مصر جوعا ، ثم أغيثوا بعد ذلك ، وكثر الرخاء ودام مدّة مائتي سنة وبيع كل أردب بدانق وأقل ، ولما مات اتهم أخوه صا بقتله وحاربه أهل مصر تسع سنين وقتلوه.
فملكت بعده ابنته تدرورة : وكانت كاهنة ساحرة فساست الملك أحسن سياسة ، ودبرت الملك أجود تدبير ، وعملت طلسمات عجيبة ، منها طلسم منع الوحش والطير أن يشرب من النيل ، حتى مات أكثرها عطشا ، ووقعت في زمانها صيحة ارتجت لها الأرض فهلكت.
وملك بعدها أخوها قليمون بن أتريب : وكان حكيما فاضلا فبنى البنيان وعمل الطلسمات ، وفي أيامه بنيت مدينة تنيس الأولى ، وبنيت مدينة دمياط ، وأقام ملكا تسعين سنة ، ومات فدفن في ناوس.
وملك بعده ابنه فرسون : وكان فاضلا كاهنا ، بنى المدائن وجدّد الهياكل ، وكان حدثا فقصده بعض ملوك حمير في جموع عظيمة ، فخرج إليهم ولقيه مدينة إيليا ، وقاتله قتالا شديدا حتى تفانى من الفريقين معظمهما ، وأظهر المصريون أشياء من سحرهم ، فانهزم الحميري في طائفة يسيرة ، وقتل فرسون عامّة أصحابه وأخذ ما كان معهم ، وعاد مظفرا إلى مدينة منف ، وعمل منارا على بحر القلزم في رأسه مرآة تجذب المراكب إلى الساحل حتى يؤخذ منها ما هو مقرّر عليها من المال ، وأقام ملكا مائتي سنة وستين سنة ، ومات فدفن في ناوس خلف الجبل الأسود الشرقيّ ، وعمل فيه قبة تحتوي على اثني عشر بيتا في كل بيت أعجوبة ودفن معه ماله وعمل عليه طلسم يحفظه.
وملك بعده نحوه أربعة وصار الملك إلى صا بن قبطيم : وكان اصغر ولد أبيه وأحبهم إليه.
ولما مات ملك بعده نونية الكاهنة : وكانت ساحرة فكانت تجلس على سرير من نار فإذا تحاكم إليها أحد ، وكان صادقا شق تلك النار من غير أن تضرّه ، وإن كان كاذبا أخذته تلك النار ، وكانت تتصوّر كل يوم في صور كثيرة الأشكال ، ثم بنت قصرا واحتجبت فيه ، وجعلت في سوره أنابيب من نحاس مجوّفة ، وكتبت على كل أنبوب فنا من الفنون التي يتحاكم الناس بها إليها ، فكان من أتاها في محاكمة وقف عند الأنبوب الذي فيه محاكمته ، وتكلم بما يريده ، وسأل عنه بصوت خفيّ ، فإذا فرغ جعل أذنه في الأنبوب فيأتيه منه جواب ما سأل ، ولم يزل هذا القصر والأنابيب حتى أتلفه بخت نصر.
وملك بعدها مرقونس : وكان فاضلا حكيما ، وكانت أمه بنت ملك النوبة ، فعملت عجائب وصنع في أيامه كل غريبة ، وملك ثلاثا وسبعين سنة ، ومات وعمره مائتان وأربعون سنة.