تصفيرات ، بكرة ونصف النهار وعند غروب الشمس ، وأقام فيها أصناما وعجائب كثيرة ، وبنى مدنا كثيرة ، وأقام فيها رجلا يقال له : برسان ، يعمل الكيمياء ، وضرب منها دنانير في كل دينار ، سبعة مثاقيل عليها صورته ، وعاش أتريب ملكا ثلثمائة وستين سنة ، وبلغ من العمر خمسمائة سنة ، وعمل له ناوس في جبل بالشرق ، حفر له تحته سرب بطن بالزجاج والمرمر ، وجعل على سرير من ذهب مرصع ، وحملت إليه ذخائره وجعلوا على بابه صورة تنين لا يدنو منه أحد إلا أهلكه ، وسوّروا عليه الرمال ، وزبروا عليه اسمه وتاريخ وقته.
وقال ابن الكنديّ : أربع كور بمصر ليس على وجه الأرض أفضل منها ، ولا تحت السماء لهنّ نظير : كورة الفيوم ، وكورة أتريب ، وكورة سمنود ، وكورة أنصنا ؛ وكورة أتريب من جملة كور أسفل الأرض ، وهي مائة وثماني قرى.
وكان يقال : مدائن السحرة من ديار مصر سبع وهي : أرمنت ، وبيا ، وبوصير ، وأنصنا ، وصان ، وأتريب ، وصا.
ذكر مدينة تنيس (١)
تنيس : بكسر التاء المنقوطة باثنتين من فوقها وكسر النون المشدّدة وياء آخر الحروف وسين مهملة : بلدة من بلاد مصر في وسط الماء ، وهي من كورة الخليج سميت بتنيس بن حام بن نوح ، ويقال : بناها قليمون من ولد أتريب بن قبطيم ، أحد ملوك القبط في القديم.
قال ابن وصيف شاه : وملكت بعد أتريب ، ابنته ، فدبرت الملك وساسته بأيد وقوّة خمسا وثلاثين سنة ، وماتت ، فقام بالملك من بعدها ، ابن أختها ، قليمون الملك ، فردّ الوزراء إلى مراتبهم ، وأقام الكهان على مواضعهم ولم يخرج الأمر عن رأيهم ، وجدّ في العمارات وطلب الحكم.
وفي أيامه بنيت تنيس الأولى التي غرّقها البحر ، وكان بينه وبينها شيء كثير وحولها الزرع والشجر والكروم وقرى ومعاصر للخمر وعمارة لم يكن أحسن منها ، فأمر الملك أن يبنى له في وسطها مجالس ، وينصب له عليها قباب وتزين بأحسن الزينة والنقوش ، وأمر بفرشها وإصلاحها ، وكان إذا بدا النيل يجري ، انتقل الملك إليها ، فأقام بها إلى النوروز ، ورجع وكان للملك بها أمناء يقسمون المياه ، ويعطون كل قرية قسطها ، وكان على تلك القرى ، حصن يدور بقناطر ، وكان كل ملك يأتي يأمر بعمارتها والزيادة فيها ويجعلها له منتزها.
__________________
(١) تنّيس : بكسرتين وتشديد النون ، جزيرة في بحر مصر قريبة من البرما بين الفرما ودمياط. معجم البلدان ج ٢ / ٥١.