وقال الهمدانيّ : نكح كنعان بن حام أرتيب بنت شاويل بن ترس بن يافث ، فولدت له حقا ، والأساود ، ونوبة ، وقران ، والزنج ، والزغاوة ، وأجناس السودان ، وقيل : البجة من ولد حام بن نوح ، وقيل : من ولد كوش بن كنعان بن حام ، وقيل : البجة قبيلة من الحبش أصحاب أخبية من شعر ، وألوانهم أشدّ سوادا من الحبشة يتزيون بزيّ العرب ، وليس لهم مدن ولا قرى ولا مزارع ، ومعيشتهم مما ينقل إليهم من أرض الحبشة ، وأرض مصر والنوبة.
وكانت البجة تعبد الأصنام ، ثم أسلموا في إمارة عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وفيهم كرم وسماحة ، وهم قبائل وأفخاذ لكل فخذ رئيس ، وهم أهل نجعة وطعامهم اللحم واللبن فقط.
ذكر مدينة أسوان (١)
أسوان من قولهم : أسى الرجل ، يأسى أسى : إذا حزن ، ورجل أسيان وأسوان : أي حزين ، وأسوان في آخر بلاد الصعيد ، وهي ثغر من ثغور الإقليم يفصل بين النوبة وأرض مصر ، وكانت كثيرة الحنطة ، وغيرها من الحبوب والفواكه والخضراوات والبقول ، وكانت كثيرة الحيوان من الإبل والبقر والغنم ، ولحمانها هناك غاية في الطيب والسمن ، وكانت أسعارها أبدا رخيصة ، وبها تجارات وبضائع تحمل منها إلى بلاد النوبة ، ولا يتصل بأسوان من شرقها بلد إسلاميّ ، وفي جنوبها جبل به معدن الزمرّذ ، وهو في برّية منقطعة عن العمارة ، وعلى خمسة عشر يوما من أسوان ، معدن الذهب ، ويتصل بأسوان من غربيها : الواحات ، ويسلك من أسوان إلى عيذاب ، ويتوصل من عيذاب إلى الحجاز وإلى اليمن والهند.
قال المسعوديّ : ومدينة أسوان يسكنها خلق من العرب من قحطان ، ونزار بن ربيعة ومضر ، وخلق كثير من قريش ، وأكثرهم من الحجاز والبلد كثير النخل خصيب ، كثير الخير تودع النواة في الأرض فتنبت نخلة ، ويؤكل من ثمرها بعد سنتين ، ولمن بأسوان ضياع كثيرة داخلة بأرض النوبة يؤدّون خراجها إلى ملك النوبة ، وابتيعت هذه الضياع من النوبة في صدر الإسلام في دولة بني أمية وبني العباس.
وقد كان ملك النوبة استعدى المأمون حين دخل مصر على هؤلاء القوم ، يوفد وفدهم إلى الفسطاط ، ذكروا عنه أنّ أناسا من أهل مملكته وعبيده ، باعوا ضياعا من ضياعهم ممن جاورهم من أهل أسوان وأنها ضياعه والقوم عبيد لا أملاك لهم ، وإنما تملكهم على هذه
__________________
(١) أسوان : مدينة كبيرة وكورة في آخر صعيد مصر وأول بلاد النوبة على النيل في شرقيه. البلدان ج ١ / ١٩١.