ذكر مدينة العريش
العريش مدينة فيما بين أرض فلسطين وإقليم مصر ، وهي مدينة قديمة من جملة المدائن التي اختطت بعد الطوفان.
قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه : عن مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليهالسلام ، وكان غلاما مرفها فلما قرب من مصر بنى له عريشا من أغصان الشجر ، وستره بحشيش الأرض ، ثم بنى له بعد ذلك في هذا الموضع مدينة وسمّاها : درسان ، أي : باب الجنة ، فزرعوا وغرسوا الأشجار والجنان من درسان إلى البحر ، فكانت كلها زروعا وجنانا وعمارة.
وقال آخر : إنما سميت بذلك ، لأنّ بيصر بن حام بن نوح ، تحمّل في ولده وهم أربعة ، ومعهم أولادهم ، فكانوا ثلاثين ما بين ذكر وأنثى ، وقدم ابنه مصر بن بيصر أمامه نحو أرض مصر ، حتى خرج من حدّ الشام ، فتاهوا ، وسقط مصر في موضع العريش ، وقد اشتدّ تعبه ونام ، فرأى قائلا يبشره بحصوله في أرض ذات خير ودر ، وملك وفخر ، فانتبه فزعا فإذا عليه ، عريش من أطراف الشجر ، وحوله عيون ماء ، فحمد الله وسأله أن يجمعه بأبيه وإخوته ، وأن يبارك له في أرضه ، فاستجيب له ، وقادهم الله إليه ، فنزلوا في العريش ، وأقاموا به ، فأخرج الله لهم من البحر دوابّ ما بين خيل وحمر وبقر وغنم وإبل ، فساقوها حتى أتوا موضع مدينة منف ، فنزلوه ، وبنوا فيه قرية سميت بالقبطية : مافة يعني قرية ثلاثين ، فنمت ذرية بيصر حتى عمروا الأرض ، وزرعوا وكثرت مواشيهم ، وظهرت لهم المعادن ، فكان الرجل منهم يستخرج القطعة من الزبرجد ، يعمل منها مائة كبيرة ، ويخرج من الذهب ما تكون القطعة منه مثل الأسطوانة وكالبعير الرابض.
وقال ابن سعيد عن البيهقيّ : كان دخول إخوة يوسف وأبويه ، عليهمالسلام ، عليه بمدينة العريش ، وهي أوّل أرض مصر ، لأنه خرج إلى تلقيهم ، حتى نزل المدينة بطرف سلطانه ، وكان له هناك عرش ، وهو سرير السلطنة ، فأجلس أبويه عليه ، وكانت تلك المدينة تسمى في القديم بمدينة العرش لذلك ، ثم سمتها العامّة مدينة العريش ، فغلب ذلك عليها.
ويقال : إنه كان ليوسف عليهالسلام حرس في أطراف أرض مصر من جميع جوانبها ، فلما أصاب الشام القحط ، وسارت إخوة يوسف لتمتار من مصر أقاموا بالعريش ، وكتب صاحب الحرس إلى يوسف ، إنّ أولاد يعقوب الكنعانيّ ، يريدون البلد لقحط نزل بهم ، فعمل إخوة يوسف عند ذلك عرشا يستظلون به من الشمس ، حتى يعود الجواب ، فسمى الموضع العريش ، وكتب يوسف بالإذن لهم ، فكان من شأنهم ما قد ذكر في موضعه ، ويقال للعرش : الج فهذا كما ترى ، وابن وصيف شاه أعرف بأخبار مصر.