وفي سنة خمس عشرة وأربعمائة ، طرق عبد الله بن إدريس الجعفريّ العريش بمعاونة بني الجرّاح وأحرقها ، وأخذ جميع ما فيها.
وقال القاضي الفاضل : وفي جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين وخمسمائة ، ورد الخبر ، بأنّ نخل العريش قطع الفرنج أكثره ، وحملوا جذوعه إلى بلادهم ، وملئت منه ، ولم يجدوا مخاطبا على ذلك ، ونقل عن ابن عبد الحكم : أنّ الجفار بأجمعه كان أيام فرعون موسى في غاية العمارة بالمياه والقرى والسكان ، وأنّ قول الله تعالى : (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) [١٣٧ / الأعراف] عن هذه المواضع وأنّ العمارة متصلة منه إلى اليمن ، ولذلك سميت العريش : عريشا ، وقيل : إنها نهاية التخوم من الشام ، وإنّ إليه كان ينتهي رعاة إبراهيم الخليل عليهالسلام بمواشيه ، وإنه عليهالسلام اتخذ به عريشا كان يجلس فيه ، حتى تحلب مواشيه بين يديه ، فسمي العريش من أجل ذلك ، وقيل : إنّ مالك بن دعر بن حجر بن جذيلة بن لخم كان له أربعة وعشرون ولدا منهم : العريش بن مالك ، وبه سميت العريش لأنه نزل بها وبناها مدينة ، وعن كعب الأحبار : أنّ بالعريش قبور عشرة أنبياء.
ذكر مدينة الفرماء (١)
قال البكريّ : الفرماء بفتح أوّله ، وثانيه ممدود على وزن فعلاء ، وقد يقصر مدينة تلقاء مصر.
وقال ابن خالويه في كتاب ليس الفرما : هذه سميت بأخي الإسكندر كان يسمى : الفرما ، وكان كافرا ، وهي قرية أم إسماعيل بن إبراهيم ، انتهى.
ويقال : اسمه الفرما بن فيلقوس ، ويقال فيه : ابن فليس ، ويقال : بليس ؛ وكانت الفرما على شط بحيرة تنيس ، وكانت مدينة خصباء ، وبها قبر جالينوس الحكيم ، وبنى بها المتوكل على الله حصنا على البحر تولى بناءه عنبسة بن إسحاق ، أمير مصر في سنة تسع وثلاثين ومائتين ، عند ما بنى حصن دمياط ، وحصن تنيس ، وأنفق فيها مالا عظيما ، ولما فتح عمرو بن العاص ، عين شمس ، أنفذ إلى الفرماء ، أبرهة بن الصباح ، فصالحه أهلها على خمسمائة دينار هرقلية ، وأربعمائة ناقة ، وألف رأس من الغنم ، فرحل عنهم إلى البقارة.
وفي سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة ، نزل الروم عليها ، فنفر الناس إليهم ، وقتلوا منهم رجلين ، ثم نزلوا في جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وثلثمائة ، فخرج إليهم المسلمون ،
__________________
(١) الفرماء : مدينة على الساحل من ناحية مصر بين العريش والفسطاط شرقي تنيس. معجم البلدان ج ٤ / ٢٥٦.