مهدت في زمان خمارويه بن أحمد بن طولون ، ويسير الراكب مرحلتين في محض التيه هذا ، حتى يوافي ساحل بحر فاران ، حيث كانت مدينة قاران ، وهناك غرق فرعون ، والتيه مقدار أربعين فرسخا في مثلها ، وفيه تاه بنو إسرائيل أربعين سنة لم يدخلوا مدينة ولا أووا إلى بيت ولا بدّلوا ثوبا ، وفيه مات موسى عليهالسلام.
ويقال : إنّ طول التيه نحو من ستة أيام ، واتفق أنّ المماليك البحرية لما خرجوا من القاهرة هاربين في سنة اثنتين وخمسين وستمائة مرّ طائفة منهم بالتيه ، فتاهوا فيه خمسة أيام ، ثم تراءى لهم في اليوم السادس سواد على بعد ، فقصدوه ، فإذا مدينة عظيمة لها سور وأبواب كلها من رخام أخضر ، فدخلوا بها ، وطافوا بها ، فإذا هي قد غلب عليها الرمل ، حتى طمّ أسواقها ودورها ، ووجدوا بها أواني وملابس ، وكانوا إذا تناولوا منها شيئا ، تناثر من طول البلى ، ووجدوا في صينية بعض البزازين ، تسعة دنانير ذهبا ، عليها صورة غزال ، وكتابة عبرانية ، وحفروا موضعا فإذا حجر على صهريج ماء ، فشربوا منه ماء أبرد من الثلج ، ثم خرجوا ومشوا ليلة فإذا بطائفة من العربان ، فحملوهم إلى مدينة الكرك ، فدفعوا الدنانير لبعض الصيارفة فإذا عليها ، أنها ضربت في أيام موسى عليهالسلام ، ودفع لهم في كل دينار مائة درهم ، وقيل لهم : إنّ هذه المدينة الخضراء من مدن بني إسرائيل ، ولها طوفان رمل يزيد تارة ، وينقص أخرى لا يراها إلا تائه ، والله أعلم.
ذكر مدينة دمياط
إعلم أنّ دمياط : كورة من كور أرض مصر ، بينها وبين تنيس اثنا عشر فرسخا ، ويقال : سميت بدمياط من ولد أشمن بن مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليهالسلام.
ويقال : إنّ إدريس عليهالسلام ، كان أوّل ما أنزل عليه ذو القوّة والجبروت ، أنا الله مدين المدائن الفلك بأمري وصنعي أجمع بين العذب والملح والنار والثلج ، وذلك بقدرتي ومكنون علمي ، الدال والميم والألف والطاء ، قيل هم : بالسريان ، دمياط ، فتكون دمياط كلمة سريانية ، أصلها دمط أي : القدرة إشارة إلى مجمع العذب والملح.
وقال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه : دمياط بلد قديم بني في زمن قليمون بن اتريب بن قبطيم بن مصرايم على اسم غلام كانت أمّه ساحرة لقليمون.
ولما قدم المسلمون إلى أرض مصر كان على دمياط رجل ، من أخوال المقوقس ، يقال له : الهاموك ، فلما افتتح عمرو بن العاص مصر امتنع الهاموك بدمياط ، واستعدّ للحرب ، فأنفذ إليه عمرو بن العاص المقداد بن الأسود ، في طائفة من المسلمين ، فحاربهم الهاموك وقتل ابنه في الحرب ، فعاد إلى دمياط ، وجمع إليه أصحابه ، فاستشارهم في أمره ، وكان عنده حكيم قد حضر الشورى ، فقال : أيها الملك إنّ جوهر العقل لا قيمة له ،