الإسلام لنصرة المسلمين ، ويخوّفهم من غلبة الفرنج على مصر.
فساروا في شوّال وأتته النجدات ، من حماه وحلب ، وبينا الناس في ذلك إذ طمع الأمير عماد الدين أحمد بن الأمير سيف الدين أبي الحسين عليّ بن أحمد الهكاريّ : المعروف بابن المشطوب (١) في الملك الكامل عند ما بلغه موت الملك العادل ، وكان له لفيف ينقادون إليه ويطيعونه ، وكان أميرا كبيرا مقدّما عظيما في الأكراد الهكارية وافر الحرمة عند الملوك ، معدودا بينهم ، مثل واحد منهم ، وكان مع ذلك عالي الهمة غزير الجود واسع الكرم شجاعا أبيّ النفس تهابه الملوك ، وله الوقائع المشهورة ، وهو من أمراء دولة صلاح الدين يوسف ، فاتفق مع جماعة من الجند والأكراد على خلع الملك الكامل ، وإقامة أخيه الملك الفائز إبراهيم ليصير له الحكم ، ووافقه الأمير عز الدين الحميدي ، والأمير أسد الدين الهكاريّ ، والأمير مجاهد الدين ، وجماعة من الأمراء ، فلما بلغ ذلك الملك الكامل دخل عليهم ، وهم مجتمعون والمصحف بين أيديهم ليحلفوا للفائز ، فلما رأوه انفضوا ، فخشي على نفسه فخرج ، فاتفق وصول الصاحب ، صفيّ الدين بن سكر من آمد إلى الملك الكامل ، فإنه كان استدعاه بعد موت أبيه ، فتلقاه وأكرمه ، وذكر له ما هو فيه ، فضمن له تحصيل المال ، فلما كان في الليل ركب ، الملك الكامل وتوجه من العادلية في جريدة إلى أشموم طناح ، فنزلها وأصبح العسكر بغير سلطان ، فركب كل منهم هواه ، ولم يعطف الأخ على أخيه ، وتركوا أثقالهم وخيامهم وأموالهم وأسلحتهم ، ولحقوا بالسلطان.
فبادر الفرنج في الصباح إلى مدينة دمياط ، ونزلوا البرّ الشرقيّ ، يوم الثلاثاء سادس عشر ذي القعدة بغير منازع ولا مدافع ، وأخذوا سائر ما كان في عسكر المسلمين ، وكان شيئا لا يحيط به الوصف ، وداخل السلطان وهم عظيم ، وكاد أن يفارق البلاد ، فإنه تخيل من جميع من معه ، واشتدّ طمع الفرنج في أرض مصر كلها ، وظنوا أنهم قد ملكوها إلا أنّ الله سبحانه وتعالى : أغاث المسلمين ، وثبت السلطان ، وواقاه أخوه الملك المعظم ، بأشموم طناح ، فاشتدّ به أزره ، وقوي جأشه ، وأطلعه على ما كان من ابن المشطوب ، فوعده بإزاحة ما يكره ، ثم إنّ المعظم ركب إلى خيمة ابن المشطوب ، واستدعاه للركوب معه ومسايرته ، فاستمهله حتى يلبس خفيه وثياب الركوب ، فلم يمهله ، وأعجله فركب معه وسايره حتى خرج به من العسكر الكامليّ.
ثم قال له : يا عماد الدين ، هذه البلاد لك وأشتهي أن تهبها لنا ، وأعطاه نفقة ، وسلمه إلى جماعة من أصحابه ، يثق بهم ، وقال لهم : أخرجوه من الرمل ، ولا تفارقوه حتى يخرج
__________________
(١) المشطوب : علي بن أحمد الهكاري أمير له مواقف بالحروب الصليبية حضر مع أسد الدين شيركوه في فتح مصر ولازم صلاح الدين الأيوبي وكان يلقب بالأمير الكبير توفي سنة ٥٨٨ ه. الأعلام ج ٤ / ٢٥٦.