ذكر عين شمس (١)
وكان يقال لها في القديم : رعمساس ، وكانت عين شمس ، هيكلا يحج الناس إليه ، ويقصدونه من أقطار الأرض في جملة ما كان يحج إليه من الهياكل التي كانت في قديم الدهر ، ويقال : إنّ الصابئة أخذت هذه الهياكل عن عاد وثمود ، ويزعمون أنه عن شيث بن آدم ، وعن هرمس الأوّل ، وهو إدريس ، وإن إدريس هو أوّل من تكلم في الجواهر العلوية والحركات النجومية ، وبنى الهياكل ومجد الله فيها.
ويقال : إنّ الهياكل كانت عدّتها في الزمن الغابر : اثني عشر هيكلا ، وهي هيكل : العلة الأولى ، وهيكل : العقل ، وهيكل : السياسة ، وهيكل : الصورة ، وهيكل : النفس ؛ وكانت هذه الهياكل الخمسة مستديرات ، والهيكل السادس هيكل : زحل ، وهو مسدّس ، وبعده هيكل : المشتري وهو مثلث ، ثم هيكل : المرّيخ ، وهو مربع ، وهيكل : الشمس ، وهو أيضا مربع ، وهيكل : الزهرة ، وهو مثلث مستطيل ، وهيكل : عطارد مثلث في جوف مربع مستطيل ، وهيكل : القمر مثمن.
وعللوا عبادتهم للهياكل بأن قالوا : لما كان صانع العالم مقدّسا عن صفات الحدوث ، وجب العجز عن إدراك جلاله ، وتعين أن يتقرّب إليه عباده بالمقرّبين لديه ، وهم : الروحانيون ليشفعوا لهم ، ويكونوا وسائط لهم عنده ، وعنوا بالروحانيين : الملائكة ، وزعموا أنها المدبرات للكواكب السبعة السيارة في أفلاكها ، وهي هياكلها وأنه لا بدّ لكل روحانيّ من هيكل ، ولا بدّ لكل هيكل من فلك ، وأن نسبة الروحانيّ ، إلى الهيكل نسبة الروح إلى الجسد ، وزعموا : أنه لا بدّ من رؤية المتوسط بين العباد ، وبين بارئهم حتى يتوجه إليه العبد بنفسه ، ويستفيد منه ، ففزعوا إلى الهياكل التي هي السيارات ، فعرفوا بيوتها من الفلك ، وعرفوا مطالعها ومغاربها واتصالاتها ، وما لها من الأيام والليالي ، والساعات والأشخاص والصور والأقاليم ، وغير ذلك مما هو معروف في موضعه من العلم الرياضي.
وسموا هذه السبعة السيارة : أربابا وآلهة ، وسموا : الشمس إله الآلهة ورب الأرباب ، وزعموا أنها المفيضة على ألسنة أنوارها ، والمظهرة فيها آثارها ، فكانوا يتقرّبون إلى الهياكل تقرّبا إلى الرّوحانيين لتقرّبهم إلى الباري ، لزعمهم أن الهياكل أبدان الروحانيين ، وكلّ من تقرّب إلى شخص ، فقد تقرّب إلى روحه.
وكانوا : يصلون لكل كوكب يوما ، يزعمون أنه رب ذلك اليوم ، وكانت صلاتهم في ثلاثة أوقات : الأولى عند طلوع الشمس ، والثانية عند استوائها في الفلك ، والثالثة عند
__________________
(١) عين شمس : مدينة فرعون موسى بمصر بينها وبين الفسطاط ثلاث فراسخ بها عجائب كثيرة في المباني. معجم البلدان ج ٤ / ١٧٨.