فأخذ الله من طين فصوّره |
|
لما رأى أنه قد تم واعتدلا |
دعاه آدم صوتا فاستجاب له |
|
فنفخ الروح في الجسم الذي جبلا |
ثمة أورثه الفردوس يسكنها |
|
وزوجه ضلعة من جنبه جعلا |
لم ينهه ربه عن غير واحدة |
|
من شجر طيب إن شم أو أكلا |
وكانت الحية الرقشاء إذ خلقت |
|
كما ترى ناقة في الخلق أو جملا |
فلامها الله إذ أطغت خليفته |
|
طول الليالي ولم يجعل لها أكلا |
تمشي على بطنها في الأرض ما عمرت |
|
والترب تأكله حزنا وإن سهلا |
وقال الحافظ أبو الخطاب مجد الدين عمر بن دحية : ومصر أخصب بلاد الله وسماها الله بمصر وهي هذه دون غيرها بإجماع القرّاء على ترك صرفها ، وهي اسم لا ينصرف في معرفة لأنه اسم مذكر سميت به هذه المدينة ، واجتمع فيه التأنيث والتعريف فمنعاه الصرف ، وهي عندنا مشتقة من مصرت الشاة إذا أخذت من ضرعها اللبن فسميت : مصر لكثرة ما فيها من الخير مما ليس في غيرها فلا يخلو ساكنها من خير يدرّ عليه منها كالشاة التي ينتفع بلبنها ، وصوفها ، وولادتها. وقال ابن الأعرابيّ : المصر الوعاء ، ويقال للمعا المصير ، وجمعه مصران ومصارين ، وكذلك هي خزائن الأرض. قال أبو بصرة الغفاريّ من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : مصر خزائن الأرض كلها ألا ترى إلى قول يوسف عليهالسلام : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف / ٥٥] فأغاث الله بمصر يومئذ وخزائنها كل حاضر وباد ذكره الحوفيّ في تفسيره.
وقال البكري : أمّ خنور بفتح أوّله وتشديد ثانيه وبالراء المهملة اسم لمصر ، وقال أرطاة بن شهبة : يا آل ذبيان! ذودوا عن دمائكم ، ولا تكونوا كقوم أم خنور. يقول : لا تكونوا أذلاء ينالكم من أراد ، يجب التأمل في هذه الجملة ، وهي أم خنور. قال كراع : أم خنور : النعمة ولذلك سميت مصر أم خنور لكثرة خيرها. وقال عليّ بن حمزة : سميت أم خنور لأنها يساق إليها القصار الأعمار ، ويقال للضبع : خنور وخنوز بالراء والزاي ، وقال ابن قتيبة في غرائب الحديث : ومصر الحدّ ، وأهل هجر يكتبون في شروطهم اشترى فلان الدار بمصورها كلها أي بحدودها ، وقال عديّ بن زيد :
وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به |
|
بين النهار وبين الليل قد فصلا |
أي حدّا.
ذكر طرف من فضائل مصر
ولمصر فضائل كثيرة منها : أنّ الله عزوجل ذكرها في كتابه العزيز بضعا وعشرين مرّة تارة بصريح الذكر وتارة إيماء. قال تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) [البقرة /٦١]. قال أبو محمد عبد الحق بن عطية في تفسيره : وجمهور الناس يقرءون مصرا بالتنوين وهو