ويقال : إنه كان بها اثنا عشر ألف عريف على السحرة ، وكان بها شجر البنج ، ويقال : إنّ الذي بنى بربا إخميم اسمه دومريا ، وإنه جعل هذه البربا مثلا للأمم الآتية بعده ، وكتب فيها تواريخ الأمم والأجيال ومفاخرهم التي يفتخرون بها ، وصوّر فيها الأنبياء والحكماء ، وكتب فيها من يأتي من الملوك إلى آخر الدهر ، وكان بناؤه إياها والنسر برأس الحمل ، والنسر يقيم عندهم في كل برج ثلاثة آلاف سنة.
قلت : والنسر في زماننا بآخر باب برج الجدي ، فيكون على ذلك لهذه البربا منذ بنيت نحو الثلاثين ألف سنة.
وذكر أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم القيسيّ (١) في كتاب تحفة الألباب : أن هذه البربا مربعة من حجارة منحوتة ، ولها أربعة أبواب يفضي كل باب إلى بيت له أربعة أبواب كلها مظلمة ، ويصعد منها إلى بيوت كالغرف على قدرها.
ذكر مدينة العقاب
قال المسعوديّ : مدينة العقاب غربيّ أهرام أبو صير بالجيزة على مسيرة خمسة أيام بلياليها للراكب المجدّ ، وقد عوّر طريقها ، وعمي المسلك إليها ، والسمت الذي يؤدّي نحوها ، وفيها عجائب البنيان والجواهر ، والأموال.
وقال ابن وصيف شاه : وكان الوليد بن دومع العمليقيّ ، قد خرج في جيش كثيف يتنقل في البلدان ، ويقهر ملوكها ، فلما صار بالشام ، وجه غلاما له يقال له : عون ، فسار إلى مصر ، وفتحها ، ثم سار ، فتلقاه عون ودخل مصر ، فاستباح أهلها.
ثم سنح له أن يقف على مصب النيل ، فخرج في جيش كثيف ، واستخلف عونا على مصر ، وأقام في غيبته أربعين سنة ، وإنّ عونا بعد سبع سنين من مسيرة تجبر ، وادّعى أنه الملك ، وأنكر أن يكون غلام الوليد وإنما هو أخوه ، وغلب بالسحر ، وسبى الحرائر فمال الناس إليه ، ولم يدع امرأة من بنات ملوك مصر ، إلا نكحها ، ولا مالا إلا أخذه وقتل صاحبه ، وهو مع ذلك يكرم الكهنة ، ويعظم الهياكل ، فاتفق أنه رأى الوليد في منامه ، وهو يقول له : من أمرك أن تتسمى باسم الملك؟ وقد علمت أنه من فعل ذلك استحق القتل ، ونكحت بنات الملوك ، وأخذت الأموال بغير واجب ، ثم أمر بقدر ملئت زيتا ، وأحميت حتى غلت ، ونزع ثيابه ليلقيه فيها ، فأتاه عقاب ، فاختطفه ، وحلق به في الجوّ ، وجعله في هوّة على رأس جبل ، فسقط إلى واد فيه حمأة منتنة ، فانتبه مرعوبا ، وقص ذلك على كهنته ، فقالوا : نحن نخلصك منه بأن تعمل عقابا وتعبده ، فإنه الذي خلصك في نومك ، فقال :
__________________
(١) راجع ص ٤٢٥ حاشية ٢.