والطيب إلى أن بلغ منف ، فخرج أهلها إليه مع العزيز بأصناف الرياحين ، والطيب ، وكان العزيز قد بنى له مجلسا من زجاج ملوّن وفرشه بأحسن فرش ، وغرس حوله الأشجار والرياحين ، وجعل فيه بحرة من زجاج سماويّ ، وفي أرضه شبه السمك من زجاج أبيض ، فنزل الملك فيه ، وأقام الناس يأكلون ويشربون أياما كثيرة ، وتفقد جيشه ، ففقد منهم سبعين ألفا ، ووجد فيهم ممن أسره نيفا وخمسين ألفا ، فكانت مدّة غيبته عن مصرفي مسيرة هذه ، إحدى عشرة سنة.
فلما بلغ الملوك قدومه هابوه ، واشتدّ بأسه ، وتجبر وبنى في الجانب الشرقيّ قصورا من رخام ، ونصب عليها أعلاما ، وأمر بالعمارة ، وإصلاح الجسور ، واستنباط الأراضي حتى زاد الخراج على مائة ألف ألف دينار.
ودخل إلى البلد في أيامه غلام من أهل الشام احتال عليه إخوته ، وباعوه ، وكانت قوافل الشام تعرّس بناحية الموقف اليوم ، فوقف الغلام ، ونودي عليه ، وهو : يوسف الصدّيق ابن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليهم وسلامه ، فاشتراه إطفين ليهديه إلى الملك.
فلما أتي به قصره ، رأته امرأته زليخا ، وهي ابنة عمه ، فقالت : اتركه لنا نربيه لينفعنا ، وكان من أمرها ما قصه الله تعالى في القرآن ، فكانت تكتم حبه حتى غلبت ، فخلت به وتزينت له ، وعرّفته أنها تحبه ، وأنه وإن واتاها على ما تريده منه حبته بمال عظيم ، فامتنع من ذلك ، ورأت أن تغلبه ، فما زالت تعاركه ، وهو ممتنع منها إلى أن وافى زوجها وراءه ، وهو هارب منها ، وكان العزيز عنينا لا يأتي النساء ، فجعل يوسف يعتذر إليه وقالت : إني كنت نائمة ، فأتاني يراودني عن نفسي ، وتبين من شاهد أهلها أن الأمر من قبل امرأته ، فقال ليوسف : أعرض عن هذا ، أي عن اعتذارك ، وقال لها : استغفر لذنبك ، وقد كان خبر أطفين ، والغلام بلغ الملك ، وكان نهراوش عاود العكوف على اللهو والاحتجاب عن الناس ، واتصل خبر زليخا ويوسف بنساء الخاصة ، فعيرنها بذلك ، فدعت جماعة منهنّ ، وصنعت لهنّ طعاما وشرابا ، وعملت مجلسين مذهبين وفرشتهما بديباج أصفر مذهب ، وأرخت عليهما ستور الديباج ، وأمرت المواشط بتزين يوسف وإخراجه من المجلس الذي يحاذي المجلس الذي كانت مع النسوة فيه ، وكان المجلس محاذيا للشمس ، فأخذته المواشط ، ونظمن شعره بأصناف الجواهر ، وألبسنه ثوب ديباج أصفر ، قد نسج بدارات حمر مذهبة فيها أطيار صغار خضر مبطن ببطانة خضراء ، ومن تحته غلالة حمراء ، وعلى رأسه تاج قد نظم بالدرّ والجوهر ، وأخرجن من تحت التاج أطراف شعره على جبهته ، ورددن ذوائبه على صدره ، وجعلن جبهته مكشوفة ، والتاج محيط بها ، وفي أذنيه قرطي جوهر ، ومن خلف طوق القباء شعر مسبل بين كتفيه منظوم مشبك بالذهب والجوهر ، وفي عنقه