بسم الله الرّحمن الرّحيم
[مقدمة المؤلف]
الحمد لله الذي عرّف وفهم ، وعلم الإنسان ما لم يكن يعلم ، وأسبغ على عباده نعما باطنة وظاهره ، ووالى عليهم من مزيد آلائه مننا متظافرة متواترة ، وبثهم في أرضه حينا يتقلبون ، واستخلفهم في ماله فهم به يتنعمون ، وهدى قوما إلى اقتناص شوارد المعارف والعلوم ، وشوّقهم للتفنن في مسارح التدبر والركض بميادين الفهوم وأرشد قوما إلى الانقطاع من دون الخلق إليه ، ووفقهم للاعتماد في كل أمر عليه وصرف آخرين عن كل مكرمة وفضيلة ، وقيض لهم قرناء قادوهم إلى كل ذميمة من الأخلاق ورذيلة ، وطبع على قلوب آخرين فلا يكادون يفقهون قولا ، وثبطهم عن سبل الخيرات ، فما استطاعوا قوّة ولا حولا ، ثم حكم على الكل بالفناء ونقلهم جميعا من دار التمحيص والابتلاء إلى برزخ البيود والبلاء ، وسيحشرهم أجمعين إلى دار الجزاء ليوفي كل عامل منهم عمله ، ويسأله عما أعطاه وخوّله.
وعن موفقه بين يديه سبحانه وما أعدّ له لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. أحمده سبحانه حمد من علم أنه إله لا يعبد إلا إياه ، ولا خالق للخلق سواه حمدا يقتضي المزيد من النعماء ، ويوالي المنن بتجدّد الآلاء ، وصلى الله على سيدنا محمد وعبده ورسوله ونبيه وخليله سيد البشر وأفضل من مضى وغبر الجامع لمحاسن الأخلاق والسير ، والمستحق لاسم الكمال على الإطلاق من البشر الذي كان نبيا وآدم بين الماء والطين ، ورقم اسمه من الأزل في عليين ، ثم تنقل من الأصلاب الفاخرة الزكية إلى الأرحام الطاهرة المرضية حتى بعثه الله عزوجل إلى الخلائق أجمعين ، وختم به الأنبياء والمرسلين وأعطاه ما لم يعط أحدا من العالمين وعلى آله وصحابته والتابعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
وبعد ، فإنّ علم التاريخ من أجل العلوم قدرا ، وأشرفها عند العقلاء مكانة وخطرا ، لما يحويه من المواعظ والإنذار بالرحيل إلى الآخرة عن هذه الدار والاطلاع على مكارم الأخلاق ليقتدى بها ، واستعلام مذامّ الفعال ليرغب عنها أولو النهي ، لا جرم إن كانت الأنفس الفاضلة به وامقة والهمم العالية إليه مائلة وله عاشقة. وقد صنف فيه الأئمة كثيرا ، وضمّن الأجلّة كتبهم منه شيئا كبيرا ، وكانت مصر هي مسقط رأسي ، وملعب أترابي ومجمع ناسي ، ومغنى عشيرتي وحامتي ، وموطن خاصتي وعامّتي ، وجؤجؤي الذي ربى جناحي