وعن يزيد بن أبي حبيب (١) : أن المقوقس لما أتاه كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضمه إلى صدره ، وقال : هذا زمان يخرج فيه النبيّ الذي نجد نعته وصفته في كتاب الله تعالى ، وإنا لنجد صفته أنه لا يجمع بين أختين في ملك يمين ، ولا نكاح ، وأنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة ، وأن جلساءه المساكين وإن خاتم النبوّة بين كتفيه ، ثم دعا رجلا عاقلا ، ثم لم يدع بمصر أحسن ولا أجمل من مارية وأختها ، وهما من أهل جفن بفتح أوّله وسكون ثانيه ثم نون بعده من كورة انصنا ، فبعث بهما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأهدى له بغلة شهباء وحمارا أشهب ، وثيابا من قباطي مصر ، وعسلا من عسل بنها ، وبعث إليه بمال صدقة.
ويقال : إن المقوقس أهدى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أربع جواري ، وقيل : جاريتين ، وبغلة اسمها الدلدل ، وحمارا اسمه يعفور ، وقبأ وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا من قباطي مصر ، وخصيا يسمى مايور ، ويقال : إنه ابن عمّ مارية ، وفرسا يقال له : الكرّار ، وقدحا من زجاج ، وعسلا من عسل بنها ، فأعجب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ودعا فيه بالبركة ، وقال : ضنّ الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه ، فإن المقوقس قال خيرا وأكرم حاطب ابن أبي بلتعة وقارب الأمر ولم يسلم.
وقال ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر الواقديّ : أنبأنا يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال : أهدى المقوقس صاحب الإسكندرية إلى النبيّصلىاللهعليهوسلم في سنة سبع من الهجرة ، مارية وأختها سيرين ، وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا ، وبغلته الدلدل ، وحماره عفيرا ، وخصيا يقال له : مابور فعرض حاطب على مارية الإسلام فأسلمت هي وأختها ، ثم أسلم الخصي بعد وكان الذي بعثه المقوقس ، مع مارية اسمه جبرين بن عبد الله القبطي. مولى بني عفار. قال ابن عبد الحكم : وأمر رسوله أن ينظر من جلساؤه وينظر إلى ظهره هل يرى شامة كبيرة ذات شعر ففعل ذلك الرسول ، فلما قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قدّم إليه الأختين والدابتين ، والعسل والثياب ، وأعلمه أن ذلك كله هدية ، فقبل رسول اللهصلىاللهعليهوسلم الهدية ، وكان لا يردّها من أحد من الناس. قال : فلما نظر إلى مارية وأختها أعجبتاه وكره أن يجمع بينهما ، وكانت إحداهما تشبه الأخرى فقال : «اللهم اختر لنبيك» ، فاختار الله له مارية. وذلك أنه لما قال لهما : «اشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله» ، فبادرت مارية فشهدت وآمنت قبل أختها ، ومكثت أختها ساعة ، ثم تشهدت وآمنت ، فوهب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أختها لمحمد (٢) بن مسلمة الأنصاريّ ، وقال
__________________
(١) يزيد بن أبي حبيب : هو يزيد بن سويد المصري أبو رجاء مفتي أهل مصر في صدر الإسلام وأول من أظهر علوم الدين والفقه بها توفي سنة ١٢٨ ه. صبح الأعشى ٣ / ٣١٩.
(٢) محمد بن مسلمة الأنصاري : صحابي من الأمراء من أهل المدينة شهد بدر وما بعدها. ولد سنة ٣٥ ق. ه وتوفي سنة ٤٣ ه. الأعلام ج ٧ / ٩٧.