كلكن صدقت ، وظنّ أن هذا منها نصح ، فأمر بنزع الصنم من موضعه ونقله إلى داره ، فبطل عمله وعملت المرأة ما كانت همت به.
وبنى هيكلا على جبل القصير للسحرة ، فكانوا لا يطلقون الرياح للمراكب المقلعة إلا بضريبة يأخذونها منهم للملك.
وبنى مناوس بن منقاوس في صحراء الغرب مدينة بالقرب من مدينة السحرة تعرف : بقنطرة ذات عجائب ، وجعل بوسطها قبة عليها كالسحابة تمطر شتاء وصيفا مطرا خفيفا ، وتحت القبة مطهرة فيها ماء أخضر يداوي به من كل داء فيبريه ، وعمل في شرقيها بربا لطيفا له أربعة أبواب لكل باب عضادتان في كل عضادة صورة وجه يخاطب كل واحد منهما صاحبه بما يحدث في يومه فمن دخل البربا على غير طهارة نفخا في وجهه فأصابه رعدة فظيعة لا تفارقه حتى يموت. وكانوا يقولون : إن في وسطه مهبط النور في صورة العمود من اعتنقه لم يحتجب عن نظره شيء من الروحانية وسمع كلامهم ، ورأى ما يعملون ، وعلى كل باب من أبواب هذه المدينة صورة راهب في يده مصحف فيه علم من العلوم. فمن أحب معرفة ذلك العلم أتى تلك الصورة ، فمسحها بيديه وأمرّهما على صدره فيثبت ذلك العلم في صدره. ويقال : إن هاتين المدينتين بنيتا على اسم هرمس ، وهو عطارد وأنهما بحالهما (وحكي عن رجل أنه أتى عبد العزيز بن مروان ، وهو أمير مصر ، فعرّفه أنه تاه في صحراء الشرق ، فوقع على مدينة خراب فيها شجرة تحمل كل صنف من الفاكهة ، وأنه أكل منها وتزوّد فقال له رجل من القبط : هذه إحدى مدينتي هرمس ، وفيها كنوز كثيرة فوجه عبد العزيز معه جماعة معهم ماء وزاد ، فأقاموا يطوفون تلك الصحاري شهرا فلم يقفوا لها على أثر.
وعملت أم ميلاطس الملك بركة عظيمة في صحراء الغرب ، وجعلت في وسطها عمودا طوله ثلاثون ذراعا ، وفي أعلاه قصعة من حجارة يفور منها الماء فلا ينقص أبدا. وجعلت حول البركة أصناما من حجارة ملونة على صور الحيوانات من الوحش ، والطير والبهائم ، فكان كل جنس يأتي إلى صورته ويألفها فيؤخذ باليد وينتفع به.
وعملت لابنها منتزها لأنه كان يحب الصيد ، فجعلت فيه مجالس مركبة على أساطين من مرمر مصفّح بالذهب مرصع بالجوهر ، والزجاج الملوّن وزخرفته بالتصاوير العجيبة ، والنقوش فكان الماء يطلع من فوّارات وينصب إلى أنهار قد صفحت بالفضة تجري إلى حدائق فيها بديع الفروشات ، وقد أقيم حولها تماثيل تصفر بأنواع اللغات ، وأرخت على المجلس ستورا من ديباج ، واختارت لابنها من حسان بنات عمه وبنات الملوك وزوجته وحولته إلى هذه الجنة وبنت حول الجنة مجالس للوزراء ، والكهنة ، وأشراف أهل الصناعات ، فكانوا يرفعون إليه جميع ما يعملونه ، فإذا فرغوا من أعمالهم حمل إليهم الطعام