والذباب والعقارب وسائر الحشرات ، وكانت إذا جعلت في موضع اجتمع إليها ذلك الجنس ، ولا يقدر على مفارقة تلك الصورة حتى يقتل ، وكأنه يعمل أعماله كلها بصور درج الفلك وأسمائها ، وطوالعها فيتم له من ذلك ما يريده.
وعمل في صحراء الغرب ملعبا من زجاج ملوّن في وسطه قبة من زجاج أخضر صافي اللون. فإذا طلعت عليه الشمس ألقت شعاعها على مواضع بعيدة وعمل في جوانبه الأربعة أربعة مجالس عالية من زجاج كل مجلس لون ونقش عليها بغير لونها طلسمات عجيبة ، ونقوشات غريبة وصورا بديعة كل ذلك من زجاج مطلق يشف ، وكان يقيم في هذا الملعب الأيام وعمل له ثلاثة أعياد في كل سنة. فكان الناس يحجون إليه في كل عيد ويذبحون له ويقيمون فيه سبعة أيام ، ولم يزل هذا الملعب تقصده الأمم فإنه لم يكن له نظير ، ولا عمل في العالم مثله إلى أن هدمه بعض الملوك لعجزه عن عمل مثله.
وكانت أم مرقونس ابنة ملك النوبة وكان أبوها يعبد الكوكب الذي يقال له السها ويسميه إلها. سألت ابنها أن يعمل لها هيكلا يفردها به ، فعمله وصفحه بالذهب والفضة ، وأقام فيه صنما وأرخى عليه الستور الحرير ، فكانت تدخل إليه بجواريها وحشمها وتسجد له في كل يوم ثلاث مرّات ، وعملت لكل شهر عيدا تقرّب له قرابين وتبخره ليله ونهاره ، ونصبت له كاهنا من النوبة يقوم به ويقرّب له ويبخره ، ولم تزل بابنها حتى سجد له ، ودعي إلى عبادته. فلما رأى الكاهن الأمر في عبادة الكواكب قد تم وأحكم من جهة الملك أحب أن يكون لكوكب السّها مثالا في الأرض على صورة حيوان يتعبد له ، فأقام بعمل الحيلة في ذلك إلى أن اتفق أن العقبان كثرت بمصر ، وأضرّت بالناس فأحضر الملك هذا الكاهن وسأله عن سبب كثرتها ، فقال : إن إلهك أرسلها لتعمل لها نظيرا ليسجد له.
فقال مرقونس : إن كان يرضيه ذلك ، فأنا فاعله. فقال : إن ذلك رضاه ، فأمر بعمل عقاب طوله ذراعان في عرض ذراع من ذهب مسبوك وعمل عينيه من ياقوتتين ، وعمل له وشاحين من لؤلؤ منظوم على أنابيب جوهر أخضر ، وفي منقاره درة معلقة وسرو له بالدرّ الأحمر ، وأقامه على قاعدة من فضة منقوشة قد ركبت على قائمة زجاج أزرق ، وجعله في أزج عن يمين الهيكل ، وألقى عليه ستور الحرير وجعل له دخنة من جميع الأفاويه والصموغ وقرّب له عجلا أسود ، وبكارة الفراريج ، وباكورة الفواكه والرياحين. فلما تمت له سبعة أيام دعاهم إلى السجود إليه ؛ فأجابه الناس ، ولم يزل الكاهن يجهد نفسه في عبادة العقاب وعمل له عيدا. فلما تم لذلك أربعون يوما نطق الشيطان من جوفه. وكان أوّل ما دعاهم إليه أن ينجز له في إنصاف الشهور بالمندل ، ويرش الهيكل بالخمر العتيقة التي تؤخذ من رؤوس الخوابي ، وعرّفهم أنه قد أزال عنهم العقبان وضررها ، وكذلك يفعل في غيرها مما يخافون. فسرّ الكاهن بذلك ، وتوجه إلى أمّ الملك يعرّفها ذلك ، فسارت إلى الهيكل