وما يحدث فيه من أقصى ما يصل إليه البصر على مسيرة أيام. وهو أوّل من اتخذها ويقال : إنه بنى أكثر مدينة منف وكل بنيان عظيم بالإسكندرية.
ولما ملك بدارس بن صا الأحياز كلها بعد أبيه ، وصفا له ملك مصر بنى في غربي مدينة منف بيتا عظيما لكوكب الزهرة ، وأقام فيه صنما عظيما من لازورد مذهب ، وتوجّه بذهب يلوح بزرقة وسوّره بسوارين من زبرجد أخضر ، وكان الصنم في صورة امرأة لها ضفيرتان من ذهب أسود مدبر. وفي رجليها خلخالان من حجر أحمر شفاف ، ونعلان من ذهب وبيدها قضيب مرجان ، وهي تشير بسبابتها كأنها مسلمة على من في الهيكل ، وجعل بحذائها تمثال بقرة ذات قرنين ، وضرعين من نحاس أحمر مموّه بذهب موشحة بحجر اللازورد ، ووجّه البقرة تجاه وجه الزهرة ، وبينهما مطهرة من أخلاط الأجساد على عمود رخام مجزع ، وفي المطهرة ماء مدبر يستنشق به من كل داء وفرش الهيكل بحشيشة الزهرة يبدلونها في كل سبعة أيام ، وجعل في الهيكل كراسي للكهنة قد صفحت بالذهب والفضة ، وقرّب لهذا الصنم ألف رأس من الضأن والمعز والوحش والطير ، وكان يحضر يوم الزهرة ويطوف به وفرش الهيكل وستره ، وجعل فيه تحت قبة صورة رجل راكب على فرس له جناحان ومعه حربة في سنانها رأس إنسان معلق.
ولم يزل هذا الهيكل إلى أن هدمه بخت نصر في أيام ماليق بن تدارس ، وكان موحدا على دين قبطيم ومصرايم خرج في جيش عظيم في البر والبحر فغزا البربر ، وأرض إفريقية ، وبلاد الأندلس وأرض الإفرنج إلى البحر ، وعمل في البحر أعلا ما زبر عليها اسمه ومسيره ، ورجع فهابه ملوك الأرض وكان في غربي مصر مدينة يقال لها : قرميدة بها قوم قد ملكوا عليهم امرأة ساحرة فغزاهم ، فلم ينل منهم قصدا ، ورجع فأرادت ملكتهم إفساد مصر ، فعملت من سحرها وأمرت ، فألقي في النيل ففاض الماء على المزارع حتى أفسدها وكثرت التماسيح والضفادع ، وفشت الأمراض في الناس ، وانبثت فيهم الثعابين والعقارب ، فأحضر ماليق الكهنة والحكماء في دار حكمتهم وألزمهم بالنظر لذلك. فنظروا في نجومهم فرأوا أن هذه الآفة أتتهم من ناحية الغرب ، وإنّ امرأة عملته وألقته في النيل ، فعلموا حينئذ أنه من فعل تلك الساحرة ، واجتهدوا في دفع ذلك بما عندهم من العلم حتى انكشف عنهم الماء الفاسد ، وهلكت الدواب المضرة وجهزوا قائدا في جيش إلى المدينة فلم يجدوا بها غير رجل واحد فأخذوا من الأموال والجواهر والأصنام ما لا يحصى.
فمن ذلك صورة كاهن من زبرجد أخضر على قائمة من حجر الأسباديم ، وصورة روحانيّ من ذهب رأسه من جوهر أحمر ، وله جناحان من دور في يده مصحف فيه كثير من علومهم في دفتين مرصعتين بجوهر ، ومطهرة من ياقوت أزرق على قاعدة زجاج أخضر فيها ماء لدفع الأسقام ، وفرس من فضة إذا عزم عليه بعزائمه ودخن بدخنته وركبه أحد طار به