فأحضر ذلك وغيره من عجائب السحرة وأصنامهم والأموال والجواهر إلى مصر ، ومعهم الرجل ، فسأله الملك عن أعجب أعمالهم قال : قصدهم بعض ملوك البربر بجمع كثيف ، وتخاييل هائلة. فأغلق أهل مدينتنا حصنهم ولجوا إلى الأصنام ، فأتى الكاهن إلى بركة عظيمة بعيدة القعر كانوا يشربون منها ، فجلس على حافتها وأحاط رؤساء الكهنة بها. وأخذ يزمزم على الماء حتى فار وخرج من وسطه نار في وسطها وجه كدارة الشمس لها ضوء فخرّ الجماعة لها سجودا ، وتلك الصورة تعظم حتى صعدت وخرقت القبة ، وسمع منها قد كفيتم شرّ عدوّكم ، فقاموا وإذا بعدوّهم قد هلك وسائر من معه وذلك أن صورة الشمس التي ظهرت من الماء مرّت فصاحت عليهم صيحة هلكوا بها.
ولما ملك كلكن مصر بعد أبيه خريبا ؛ كان النمرود في وقته ، فاتصل بنمرود خبر حكمته وسحره فاستزاره ، ووجه إليه أن يلقاه ، وكان النمرود يسكن سواد العراق وغلب على كثير من الأمم فأقبل كلكن على أربعة أفراس تحمله لها أجنحة قد أحاطب به كالنار ، وحوله صور هائلة ؛ فدخل بها وهو متوشح بثعبان ومحزم ببعضه وذلك التنين فأغرفاه ، ومعه قضيب آس أخضر كلما حرّك التنين رأسه ضربه بالقضيب ، فلما رأى النمرود ذلك هاله ، واعترف له بجليل الحكم.
وتقول القبط : إن كلكن كان يرتفع فيجلس على الهرم الغربيّ في قبة تلوح على رأسه ، وكان أهل البلد إذا دهمهم أمر اجتمعوا حول الهرم ، ويقولون : إنه ربما أقام على رأس الهرم أياما لا يأكل ولا يشرب ، ثم إنه استتر مدّة حتى توهموا أنه هلك فطمع الملوك في مصر.
وقصدها ملك من المغرب. يقال له : سادوم في جيش عظيم إلى أن بلغ وادي هيبب ، فأقبل كلكن وجللهم من سحره بشيء كالغمام شديد الحرارة ، وهم تحته أياما لا يدرون أين يتوجهون ، ثم ارتفع وصار بمصر يعرّفهم ما عمل وأمرهم ، فخرجوا. فإذا بالقوم ودوابهم قد ماتوا فهابه جميع الكهنة وصوّروه في سائر الهياكل وبنى هيكلا لزحل من صوان أسود في ناحية الغرب وجعل له عيدا.
(وفي أيام دارم بن الريان) وهو الفرعون الرابع الذي يقال له عند القبط : دريموش ، ظهر معدن فضة على ثلاثة أيام من النيل فأثاروا منه شيئا عظيما وعمل صنما على اسم القمر لأن طالعه كان برج السرطان ، ونصبه على القصر الرخام الذي بناه أبوه في شرقيّ النيل ، ونصب حوله أصناما كلها من الفضة وألبسها الحرير الأحمر ، وعمل للصنم عيدا كلما دخل برج السرطان. ولمّا ولى اكسايس الملك بعد أبيه معدان بن معاديوس بن دارم بن دريموس وهو الفرعون السادس أقام أعلاما كثيرة حول منف ، وجعل عليها أساطين يمشي من بعضها إلى بعض ، وعمل برقودة وصا ومدائن الصعيد ، وأسفل الأرض أعلاما ، ومنائر للوقود ،