ذكر شيء من فضائل النيل
أخرج مسلم من حديث أنس رضياللهعنه في حديث المعراج : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قلت : ما ذا يا جبريل؟ قال : هذه سدرة المنتهى ، وإذا أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران. فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات». وفي التوراة : وخلق فردوسا في عدن ، وجعل الإنسان فيه وأخرج منه نهران فقسمهما أربعة أجزاء : جيحون المحيط بأرض حويلا ، وسيحون المحيط بأرض كوش وهو نيل مصر ودجلة الأخذ إلى العراق والفرات.
وروى ابن عبد الحكم عن عبد الله بن عمر رضياللهعنهما أنه قال : نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب ، فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمدّه فتمدّه الأنهار بمائها وفجر الله له الأرض عيونا فأجرته إلى ما أراد الله عزوجل. فإذا انتهت جريته أوحى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره.
وعن يزيد بن أبي حبيب : أن معاوية بن أبي سفيان رضياللهعنه سأل كعب الأحبار : هل تجد لهذا النيل في كتاب الله خبرا؟ قال : أي والذي فلق البحر لموسى إني لأجده في كتاب الله إن الله يوحي إليه في كل عام مرّتين يوحي إليه عند جريته أن الله يأمرك أن تجري فيجري ما كتب الله له ، ثم يوحي إليه بعد ذلك يا نيل عد حميدا. وعن كعب الأحبار أنه قال : أربعة أنهار من الجنة وضعها الله في الدنيا : النيل نهر العسل في الجنة ، والفرات نهر الخمر في الجنة ، وسيحان نهر الماء في الجنة ، وجيحان نهر اللبن في الجنة.
وقال المسعودي : نهر النيل من سادات الأنهار وأشراف البحار لأنه يرج من الجنة على ما ورد به خبر الشريعة. وقد قال : إن النيل إذا زاد غاضت له الأنهار والأعين والآبار ، وإذا غاض زادت فزيادته من غيضها وغيضه من زيادتها وليس في أنهار الدنيا نهر يسمى بحرا غير نيل مصر لكبره واستبحاره.
وقال ابن قتيبة (١) في كتاب غريب الحديث : وفي حديثه عليهالسلام : «نهران مؤمنان ،
__________________
(١) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري من أئمة الأدب ومن المصنفين المكثرين ولد سنة ٢١٣ ه وتوفي سنة ٢٧٦ ه. الأعلام ج ٤ / ١٣٧.