ذكر ما كانت عليه مدينة الفسطاط من كثرة العمارة
قال ابن يونس عن الليث بن سعد : أن حكيم بن أبي راشد حدّثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أنه وقف على جزار ، فسأله عن السعر؟ فقال : بأربعة أفلس الرطل ، فقال له أبو سلمة : هل لك أن تعطينا بهذا السعر ما بدا لنا وبدا لك؟ قال : نعم ، فأخذ منه أبو سلمة ، ومرّ في القصبة ، حتى إذا أراد أن يوفيه ، قال : بعثني بدينار ، ثم قال : اصرفه فلوسا ، ثم وفه.
وقال الشريف أبو عبد الله محمد بن أسعد الجوانيّ النسابة في كتاب النقط على الخطط : سمعت الأمير تأييد الدولة تميم بن محمد المعروف بالضمضام يقول : في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، وحدّثني القاضي أبو الحسين عليّ بن الحسين الخلعيّ عن القاضي أبي عبد الله القضاعيّ قال : كان في مصر الفسطاط من المساجد ، ستة وثلاثون ألف مسجد ، وثمانية آلاف شارع مسلوك ، وألف ومائة ، وسبعون حماما ، وإن حمام جنادة في القرافة ما كان يتوصل إليها إلّا بعد عناء من الزحام ، وإن قبالتها في كل يوم جمعة خمسمائة درهم.
وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعيّ في كتاب الخطط : إنه طلب لقطر الندى ابنة خمارويه بن أحمد بن طولون ألف تكة بعشرة آلاف دينار من أثمان كل تكة بعشرة دنانير ، فوجدت في السوق في أيسر وقت ، وبأهون سعي ، وذكر عن القاضي أبي عبيد : أنه لما صرف عن قضاء مصر كان في المودع مائة ألف دينار ، وإنّ فائقا مولى أحمد بن طولون اشترى دارا بعشرين ألف دينار ، وسلم الثمن إلى البائعين ، وأجلهم شهرين ، فلما انقضى الأجل سمع فائق صياحا عظيما وبكاء فسأل عن ذلك؟ فقيل : هم الذين باعوا الدار ، فدعاهم وسألهم عن ذلك؟ فقالوا : إنما نبكي على جوارك ، فأطرق وأمر بالكتب ، فردّت عليهم ، ووهب لهم الثمن ، وركب إلى أحمد بن طولون ، فأخبره فاستصوب رأيه ، واستحسن فعله.
ويقال : إنه كان لفائق ثلثمائة فرشة كل فرشة لحظية مثمنة ، وإنّ دار الحرم بناها خمارويه لحرمه ، وكان أبوه اشتراها له ، فقام عليه الثمن وأجرة الصناع والبناء بسبعمائة ألف دينار ، وإنّ عبد الله بن أحمد بن طباطبا الحسينيّ دخل الجامع ، فلم يجد مكانا في الصفّ الأوّل ، فوقف في الصف الثاني ، فالتفت أبو حفص بن الجلاب ، فلما رآه تأخر ، وتقدّم الشريف مكانه ، فكافأه على ذلك بنعمة حملها إليه ، ودارا ابتاعها له ، ونقل أهله إليها بعد أن كساهم وحلّاهم.
وذكر غير القضاعيّ : أنه دفع إليه خمسمائة دينار قال : ويقال : إنه أهدى إلى أبي جعفر الطحاويّ كتبا قيمتها ألف دينار ، وإنّ رشيقا الإخشيديّ استحجبه أبو بكر محمد بن