وتحت ذلك من الملق ، وقلة المبالاة برعاية قدم الصحبة ، وكثرة الممازجة والألفة ما يطول ذكره ، وأما ما يرد على الفسطاط من متاجر البحر الإسكندرانيّ ، والبحر الحجازي ، فإنه فوق ما يوصف ، وبها مجمع ذلك لا بالقاهرة ، ومنها تجهز إلى القاهرة ، وسائر البلاد ، وبالفسطاط مطابخ السكر والصابون ، ومعظم ما يجري هذا المجرى ، لأن القاهرة بنيت للاختصاص بالجند ، كما أنّ جميع زيّ الجند بالقاهرة أعظم منه بالفسطاط وكذلك ما ينسج ، ويصاغ وسائر ما يعمل من الأشياء الرفيعة السلطانية ، والخراب في الفسطاط كثير ، والقاهرة أجدّ وأعمر ، وأكثر زحمة بسبب انتقال السلطان إليها ، وسكنى الأجناد فيها ، وقد نفخ روح الاعتناء والنموّ في مدينة الفسطاط الآن لمجاورتها للجزيرة الصالحية ، وكثير من الجند قد انتقل إليها للقرب من الخدمة ، وبنى على سورها جماعة منهم مناظر تبهج الناظر ، يعني ابن سعيد : ما بني على شقة مصر من جهة النيل.
ذكر ما عليه مدينة مصر الآن وصفتها
قد تقدّم من الأخبار جملة تدل على عظم ما كان بمدينة فسطاط مصر من المباني وكثرتها ، ثم الأسباب التي أوجبت خرابها ، وآخر ما رأيت من الكتب التي صنفت في خطط مصر كتاب إيقاظ المتغفل ، واتعاظ المتأمّل تأليف : القاضي الرئيس تاج الدين محمد بن عبد الوهاب بن المتوّج الزبيريّ رحمهالله ، وقطع على سنة خمس وعشرين وسبعمائة ، فذكر من الأخطاط المشهورة بذاتها لعهده اثنين وخمسين خطا ، ومن الحارات ثنتي عشرة حارة ، ومن الأزقة المشهورة : ستة وثمانين زقاقا ، ومن الدروب المشهورة : ثلاثة وخمسين دربا ، ومن الخوخ المشهورة : خمسا وعشرين خوخة ، ومن الأسواق المشهورة : تسعة عشر سوقا ، ومن الخطط المشهورة بالدور : ثلاثة عشر خطا ، ومن الرحاب المشهورة : خمس عشرة رحبة ، ومن العقبات المشهورة : إحدى عشرة عقبة ، ومن الكيمان المسماة : ستة كيمان ، ومن الأقباء : عشرة أقباء ، ومن البرك : خمس برك ، ومن السقائف : خمسا وستين سقيفة ، ومن القياسر : سبع قياسر ، ومن مطابخ السكر العامرة : ستة وستين مطبخا ، ومن الشوارع : ستة شوارع ، ومن المحارس : عشرين محرسا ، ومن الجوامع التي تقام فيها الجمعة بمصر ، وظاهرها من الجزيرة ، والقرافة : أربعة عشر جامعا ، ومن المساجد : أربعمائة وثمانين مسجدا ، ومن المدارس : سبع عشرة مدرسة ، ومن الزوايا : ثماني زوايا ، ومن الربط التي بمصر والقرافة : بضعا وأربعين رباطا ، ومن الأحباس والأوقاف كثيرا ، ومن الحمامات : بضعا وسبعين حماما ، ومن الكنائس وديارات النصارى : ثلاثين ما بين دير وكنيسة ، وقد باد أكثر ما ذكره ودثر ، وسيرد ما قاله من ذلك في مواضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
فأقول : إنّ مدينة مصر محدودة الآن بحدود أربعة : فحدّها الشرقيّ اليوم : من قلعة الجبل ، وأنت آخذ إلى باب القرافة ، فتمرّ من داخل السور الفاصل بين القرافة ، ومصر إلى