ومن شرقيه على بستان الجرف ، ولم يبق به إلا القليل من الدور ، وموضعه كما تقدّم كان في قديم الزمان غامرا بماء النيل ، ثم ربى جرفا ، وهو بين الزقاقين المذكور ، فعمر عمارة كبيرة ، ثم خرب الآن وخرب أيضا خط موردة الحلفاء ، وكان في القديم غامرا بالماء ، فلما ربى النيل الجرف المذكور ، وتربت الجزيرة قدّام الساحل القديم الذي هو الآن البكارة إلى المعاريج ، وأنشأ الملك الناصر محمد بن قلاون الجامع الجديد عمرت موردة الحلفاء هذه ، واتصلت من بحريها بمنشأة المهرانيّ ، ومن قبليها بالأملاك التي تمتدّ من تجاه الجامع الجديد إلى دير الطين ، وصارت موردة الحلفاء عظيمة تقف عندها المراكب بالغلال وغيرها ، ويملأ منها الناس الروايا ، وكان البحر لا يبرح طول السنة هناك ، ثم صار ينشّف في فصل الربيع والصيف ، واستمرّ على ذلك إلى يومنا هذا ، وخراب ما خلف الجامع الجديد أيضا من الأماكن التي كانت بحرا تجاه الساحل القديم ، ثم لما انحسر الماء صارت مراغة للدواب ، فعرفت اليوم بالمراغة وهي من آخر خط قنطرة السدّ إلى قريب من الكبارة ، ويحصرها من غربيها بستان الجرف المقدّم ذكره ، وعدّة دور كانت بستانا وشونا إلى باب مصر ، ومن شرقيها بستان ابن كيسان الذي صار صناعة ، وعرف الآن ببستان الطواشي ، ولم يبق الآن بخط المراغة إلّا مساكن يسيرة حقيرة.
ذكر المنشأة
اعلم أن خليج مصر كان يخرج من بحر النيل ، فيمرّ بطريق الحمراء القصوى ، وكان في الجانب الغربيّ من هذا الخليج عدّة بساتين من جملتها بستان ، عرف ببستان الخشاب ، ثم خرب هذا البستان ، وموضعه الآن يعرف : بالمريس ، فلما كان بعد الخمسمائة من سني الهجرة انحسر النيل عن أرض فيما بين ميدان اللوق الآتي ذكره في الأحكار ظاهر القاهرة إن شاء الله تعالى ، وبين بستان الخشاب المذكورة ، فعرفت هذه الأرض بمنشأة الفاضل ، لأنّ القاضي الفاضل عبد الرحيم بن عليّ البيسانيّ أنشأ بها بستانا عظيما كان يمير أهل القاهرة من ثماره وأعنابه ، وعمر بجانبه جامعا ، وبنى حوله فقيل لتلك الخطة منشأة الفاضل ، وكثرت بها العمارة ، وأنشأ بها موفق الدين محمد بن أبي بكر المهدويّ العثمانيّ الديباجيّ بستانا دفع له فيه ألف دينار في أيام الظاهر بيبرس ، وكان الصرف قد بلغ كل دينار ثمانية وعشرين درهما ونصفا ، فاستولى البحر على بستان الفاضل وجامعه ، وعلى سائر ما كان بمنشأة الفاضل من البساتين والدور ، وقطع ذلك حتى لم يبق لشيء منه أثر ، وما برح باعة العنب بالقاهرة ومصر تنادي على العنب بعد خراب بستان الفاضل هذا عدّة سنين : رحم الله الفاضل يا عنب ، إشارة لكثرة أعناب بستان الفاضل وحسنها ، وكان أكل البحر لمنشأة الفاضل هذه بعد سنة ستين وستمائة ، وكان الموفق الديباجيّ المذكور يتولى خطابة جامع الفاضل الذي كان بالمنشأة ، فلم تلف الجامع باستيلاء النيل عليه سأل : الصاحب بهاء الدين بن حنا ، وألحّ عليه وكان من ألزامه ، حتى قام في عمارة الجامع بمنشأة المهرانيّ ، ومنشأة المهرانيّ هذه