ذكر القاهرة قاهرة المعز لدين الله
اعلم : أن القاهرة المعزية رابع موضع انتقل سرير السلطنة إليه من أرض مصر في الدولة الإسلامية ، وذلك أن الإمارة كانت بمدينة الفسطاط ، ثم صار محلها العسكر خارج الفسطاط ، فلما عمرت القطائع صارت دار الإمارة إلى أن خربت ، فسكن الأمراء بالعسكر إلى أن قدم القائد جوهر بعساكر مولاه الإمام المعز لدين الله معدّ ، فبنى القاهرة حصنا ، ومعقلا بين يدي المدينة ، وصارت القاهرة دار خلافة ينزلها الخليفة بحرمه ، وخواصه إلى أن انقرضت الدولة الفاطمية.
فسكنها من بعدهم : السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وابنه الملك العزيز عثمان ، وابنه الملك المنصور محمد ، ثم الملك العادل أبو بكر بن أيوب ، وابنه الملك الكامل محمد ، وانتقل من القاهرة إلى قلعة الجبل ، فسكنها بحرمه وخواصه ، وسكنها الملوك من بعده إلى يومنا هذا ، فصارت القاهرة مدينة سكنى بعد ما كانت حصنا يعتقل به ، ودار خلافة يلتجأ إليها ، فهانت بعد العز ، وابتذلت بعد الاحترام ، وهذا شأن الملوك ما زالوا يطمسون آثار من قبلهم ، ويميتون ذكر أعدائهم ، فقد هدموا بذلك السبب أكثر المدن والحصون ، وكذلك كانوا أيام العجم ، وفي جاهلية العرب ، وهم على ذلك في أيام الإسلام ، فقد هدم عثمان بن عفان صومعة غمدان ، وهدم الآطام التي كانت بالمدينة ، وقد هدم زياد كل قصر ، ومصنع كان لابن عامر ، وقد هدم بنو العباس مدن الشام لبني مروان :
وإذا تأمّلت البقاع وجدتها |
|
تشقى كما تشقى الرجال وتسعد |
وسيأتي من أخبار القاهرة ، والكلام على خططها وآثارها ما تنتهي إليه قدرتي ، ويصل إلى معرفته علمي وفوق كل ذي علم عليم.
ذكر ما قيل في نسب الخلفاء الفاطميين بناة القاهرة
اعلم : أن القوم كانوا ينسبون إلى الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضياللهعنهما ، والناس فريقان في أمرهم : فريق يثبت صحة ذلك ، وفريق يمنعه ، وينفيهم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويزعم أنهم أدعياء من ولد ديصان البونيّ الذي ينسب إليه النوبة ، وإنّ ديصان كان له ابن اسمه : ميمون القدّاح كان له مذهب في الغلوّ ، فولد ميمون : عبد الله ،