وهذا هو حدّ اليوم على الإطلاق إذا اشترط الليلة في التركيب فأمّا على التفصيل : فاليوم بانفراده ، والنهار بمعنى واحد ، وهو من طلوع جرم الشمس إلى غروب جرمها ، والليل خلاف ذلك وعكسه ، وحدّ بعضهم أوّل النهار بطلوع الفجر وآخره بغروب الشمس لقوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة / ١٨٧] وقال : هذان الحدّان هما طرفا النهار ، وعورض بأنّ الآية إنما فيها بيان طرفي الصوم لا تعريف أوّل النهار ، وبأن الشفق من جهة المغرب نظير الفجر من جهة المشرق ، وهما متساويان في العلة ، فلو كان طلوع الفجر أوّل النهار ، لكان غروب الشفق آخره ، وقد التزم ذلك بعض الشيعة ، فإذا تقرّر ذلك ، فنقول تاريخ القبط يعرف عند نصارى مصر الآن بتاريخ الشهداء ، ويسميه بعضهم ، تاريخ دقلطيانوس.
ذكر دقلطيانوس (١) الذي يعرف تاريخ القبط به
إعلم : أنّ دقلطيانوس هذا : أحد ملوك الروم المعروفين بالقياصرة ملك في منتصف سنة خمس وتسعين وخمسمائة من سني الإسكندر ، وكان من غير بيت الملك ، فلما ملك تجبر وامتدّ ملكه إلى مدائن الأكاسرة ، ومدينة بابل ، فاستخلف ابنه على مملكة رومة ، واتخذ تخت ملكه بمدينة أنطاكية ، وجعل لنفسه بلاد الشام ومصر إلى أقصى المغرب ، فلما كان في السنة التاسعة عشر من ملكه ، وقيل : الثانية عشر خالف عليه أهل مصر ، والإسكندرية ، فبعث إليهم وقتل منهم خلقا كثيرا ، وأوقع بالنصارى فاستباح دماءهم وغلق كنائسهم ، ومنع من دين النصارى ، وحمل الناس على عبادة الأصنام ، وبالغ في الإسراف في قتل النصارى ، وأقام ملكا إحدى وعشرين سنة ، وهلك بعد علل صبعة دوّد منها بدنه ، وسقطت أسنانه ، وهو آخر من عبد الأصنام من ملوك الروم ، وكل من ملك بعده فإنما كان على دين النصرانية ، فإن الذي ملك بعده ابنه سنة واحدة ، وقيل : أكثر من ذلك ، ثم ملك قسطنطين الأكبر ، فأظهر دين النصرانية ، ونشره في الأرض ، ويقال : إن رجلا ثار بمصر ، يقال له : أجله ، وخرج عن طاعة الروم ، فسار إليه دقلطيانوس وحصر الإسكندرية دار الملك يومئذ ثمانية أشهر ، حتى أخذ أجله وقتله ، وعمّ أرض مصر كلها بالسبي والقتل ، وبعث قائده ، فحارب سابور ملك فارس ، وقتل أكثر عسكره ، وهزمه وأسر امرأته وإخوته وأثخن في بلاده ، وعاد بأسرى كثيرة من رجال فارس ، ثم أوقع بعامّة بلاد رومة ، فأكثر في قتلهم وسبيهم ، فكانت أيامه شنعة ، قتل فيها من أصناف الأمم ، وهدم من بيوت العبادات ما لا يدخل تحت حصر ، وكانت واقعته بالنصارى هي الشدّة العاشرة ، وهي أشنع شدائدهم ،
__________________
(١) دقلطيانوس : وقيل : (ديقلاديانوس) ملك بعد قاريوش قيصر لخمسمائة وخمس وتسعين سنة للإسكندر ، وقيل اسمه (غرنيطا) فأقام إحدى وعشرين سنة وكان شديدا على النصارى وهدم كنائسهم.
صبح الأعشى ج ٥ / ٣٧٠.