إلى البرّ الشرقيّ ، فقتل منه كثيرا من المفسدين ، ونزل إلى الإسكندرية ، وقد ثار بها جماعة مع ابنه الأوحد ، فحاصرها أياما من المحرّم سنة سبع وسبعين وأربعمائة ، إلى أن أخذها عنوة ، وقتل جماعة ممن كان بها ، وعمر جامع العطارين من مال المصادرات ، وفرغ من بنائه في ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين وأربعمائة ، ثم سار إلى الصعيد ، فحارب جهينة والثعالبة ، وأفتى أكثرهم بالقتل ، وغنم من الأموال ، ما لا يعرف قدره كثرة ، فصلح به حال الإقليم بعد فساده ، ثم جهز العساكر لمحاربة البلاد الشامية ، فصارت إليها غير مرّة ، وحاربت أهلها ، ولم يظفر منها بطائل ، واستناب ولده شاهنشاه ، وجعله وليّ عهده.
فلما كان في سنة سبع وثمانين وأربعمائة مات في ربيع الآخر ، وقيل : في جمادى الأولى منها ، وقد تحكم في مصر تحكم الملوك ، ولم يبق للمستنصر معه أمر ، واستبدّ بالأمور ، فضبطها أحسن ضبط ، وكان شديد الهيبة ، وافر الحرمة مخوف السطوة قتل من مصر خلائق لا يحصيها إلا خالقها ، منها أنه قتل من أهل البحيرة نحو العشرين ألف إنسان إلى غير ذلك من أهل دمياط والإسكندرية ، والغربية والشرقية ، وبلاد الصعيد وأسوان ، وأهل القاهرة ومصر ، إلّا أنه عمر البلاد ، وأصلحها بعد فسادها وخرابها ، بإتلاف المفسدين من أهلها ، وكان له يوم مات نحو الثمانين سنة ، وكانت له محاسن منها : أنه أباح الأرض للمزارعين ثلاث سنين ، حتى ترفهت أحوال الفلاحين ، واستغنوا في أيامه ، ومنها حضور التجار إلى مصر لكثرة عدله بعد انتزاحهم منها في أيام الشدّة ، ومنها كثرة كرمه ، وكانت مدّة أيامه بمصر إحدى وعشرين سنة ، وهو أوّل وزراء السيوف الذين حجروا على الخلفاء بمصر.
ومن آثاره الباقية بالقاهرة : باب زويلة ، وباب الفتوح ، وباب النصر ، وقام من بعده بالأمر ابنه شاهنشاه الملقب بالأفضل بن أمير الجيوش ، وبه وبابنه الأفضل أبهة الخلفاء الفاطمية بعد تلاشي أمرها ، وعمرت الديار المصرية بعد خرابها ، واضمحلال أحوال أهلها ، وأظنه هو الذي أخبر عنه المعز فيما تقدّم من حكاية جوهر عنه ، فإنه لم يتفق ذلك لأحد من رجال دولتهم غيره ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
باب القنطرة
عرف بذلك لأنّ جوهر القائد بنى هناك قنطرة فوق الخليج الذي بظاهر القاهرة ليمشي عليها إلى المقس عند مسير القرامطة إلى مصر في شوّال سنة ستين وثلثمائة.