لحكمة ، وله فيها أسرار خفية ، حتى جمع ما جمع ، وفرّق ما فرّق ، فكيف يسعلكم الإعراض عن هذه الأمور ، وأنتم تسمعون قول الله عزوجل : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات / ٢٠ ، ٢١] ، (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم / ٢٥] ، (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) [فصلت / ٥٣]. فأيّ شيء رآه الكفار في أنفسهم وفي الآفاق ، حتى عرفوا أنه الحق ، وأيّ حق عرفه من جحد الديانة ، ألا يدلكم هذا على أنّ الله جل اسمه أراد أن يرشدكم إلى بواطن الأمور الخفية ، وأسرار فيها مكتومة لو نبهتم لها ، وعرفتموها لزالت عنكم كل حيرة ، ودحضت كل شبهة ، وظهرت لكم المعارف السنية ، ألا ترون أنكم جهلتم أنفسكم التي من جهلها ، كان حريا أن لا يعلم غيرها ، أليس الله تعالى يقول : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) [الإسراء / ٧٢] ونحو ذلك من تأويل القرآن ، وتفسير السنن والأحكام ، وإيراد أبواب من التجويز والتعليل ، فإذا علم الداعي أن نفس المدعوّ قد تعلقت بما سأله عنه ، وطلب منه الجواب عنها قال له : حينئذ لا تعجل فإنّ دين الله أعلى وأجل من أن يبذل لغير أهله ، ويجعل غرضا للعب وجرت عادة الله ، وسنته في عباده عند شرع من نصبه أن يأخذ العهد على من يرشده ، ولذلك قال : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) [الأحزاب / ٧] ، وقال عزوجل : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب / ٢٣] ، وقال جلّ جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة / ١] ، وقال : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) [النحل / ٩١] ، وقال : (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [المائدة / ٧٠]. ومن أمثال هذا فقد أخبر الله تعالى أنه لم يملك حقه إلا لمن أخذ عهده فأعطنا صفقة يمينك ، وعاهدنا بالموكد من أيمانك وعقودك ، أن لا تفشي لنا سرّا ، ولا تظاهر علينا أحدا ، ولا تطلب لنا غيلة ، ولا تكتمنا نصحا ، ولا توالي لنا عدوّا ، فإذا أعطى العهد قال له الداعي : أعطنا جعلا من مالك نجعله مقدّمة أمام كشفنا لك الأمور ، وتعريفك إياها ، والرسم في هذا الجعل بحسب ما يراه الداعي ، فإن امتنع المدعوّ أمسك عنه الداعي ، وإن أجاب وأعطى نقله إلى الدعوة الثانية ، وإنما سميت الإسماعيلية بالباطنية لأنهم يقولون : لكل ظاهر من الأحكام الشرعية باطن ، ولكل تنزيل تأويل.
الدعوة الثانية : لا تكون إلّا بعد تقدّم الدعوى الأولى ، فإذا تقرّر في نفس المدعوّ جميع ما تقدّم ، وأعطى الجعل ، قال له الداعي : إنّ الله تعالى لم يرض في إقامة حقه ، وما شرعه لعباده إلّا أن يأخذوا ذلك عن أئمة نصبهم للناس ، وأقامهم لحفظ شريعته على ما أراده الله تعالى ، ويسلك في تقرير هذا ، ويستدل عليه بأمور مقرّرة في كتبهم ، حتى يعلم أن