الزان ، ليأخذوا المهارك الفضة ومنهم من يجعل ذلك في سراويله ، وعمامته ، وجيبه ، ومنهم من يستوهب من صاحب السيف الثمين ، وكان فيها من الرماح الطوال الخطية السمر الجياد عدّة ، حملوا منها ما قدروا عليه ، وبقي منها ما كسره الركابية ، ومن يجري مجراهم كانوا يبيعونه للمغازليين ، ولصناع المرادن ، حتى كثر هذا الصنف بالقاهرة ، ولم تعترضهم الدولة ، ولا التفتت إلى قدر ذلك ، ولا احتفلت به ، وجعلته هو وغيره فداء لأموال المسلمين ، وحفظا لما في منازلهم.
ديوان المجلس
قال ابن الطوير : ديوان المجلس ، هو أصل الدواوين قديما ، وفيه علوم الدولة بأجمعها ، وفيه عدّة كتاب ، ولكل واحد مجلس مفرد ، وعنده معين أو معينان ، وصاحب هذا الديوان ، هو المتحدّث في الإقطاعات ، ويلحق بديوان النظر ويخلع عليه وينشأ له السجل ، وله المرتبة والمسند والدواة والحاجب إلى غير ذلك.
قال : ذكر خدمهم الخاصة المتصلة بهم ، فأوّلها دفتر المجلس ، وصاحبه من الأستاذين المحنكين ، ثم يتولاه أجلّ كتاب الدولة ممن يكون مترشحا لرأس الدواوين ، ويتضمن ذلك الدفتر ، وله مكان ديوان بالقصر الباطن من الإنعام في العطايا ، والظاهر من الرسوم المعروفة في غرّة السنة ، والضحايا والمرتب من الكسوات للأولّاد ، والأقارب والجهات ، وأرباب الرتب على اختلاف الطبقات ، وما يرد من ملوك الدنيا من التحف والهدايا ، وما يرسل إليهم من الملاطفات ، ومقادير الصلات للمترسلين بالمكاتبات ، وما يخرج من الأكفان لمن يموت من أرباب الجهات المحترمات ، ثم يضبط ما ينفق في الدولة من المهمات ليعلم ما بين كل سنة من التفاوت ، فالصرّة المنعم بها في أوّل العام من الدنانير ، والرباعية والقراريط تقرب من ثلاثة آلاف دينار ، وثمن الضحايا يقرّب من ألفي دينار ، وما ينفق في دار الفطرة فيما يفرّق على الناس سبعة آلاف دينار ، وما ينفق في دار الطراز للاستعمالات الخاص ، وغيرها في كل سنة عشرة آلاف دينار ، وما ينفق في مهمّ فتح الخليج غير المطاعم ألفا دينار ، وما ينفق في شهر رمضان في سماطه ثلاثة آلاف دينار ، وما ينفق في سماطي الفطر ، والنخر أربعة آلاف دينار ، وهذا خارج عما يطلق للناس أصنافا من خزائنه من المآكل والمشارب والمواصلة من الهبات ، وما تخرج به الخطوط من التشريفات (١) ، والمسامحات (٢) ، وما يطلق من الأهراء من الغلات حتى لا يفوتهم علم شيء من هذه المطلقات ، وفي هذه الخدمة كاتب مستقل بين يدي صاحب ديوانه الأصليّ ، ومعه
__________________
(١) التشريفات : هي الملابس الخاصة التي ينعم بها الخليفة عليهم. صبح الأعشى ٤ / ٥٣.
(٢) المسامحات : أن يصير الشخص مسموحا له بالخدم السلطانية يقيم حيث شاء ويرتحل متى شاء تارة بمعلوم يتناوله مجانا وتارة بغير معلوم. صبح الأعشى ١ / ٥٣.