بالأخرم بن أبي زكريا ، وسألوه أن يذكر للحافظ في أحكام تلك السنة حلية هذا الرجل ، فإنه إن أقامه في تدبير دولته زاد النيل ، ونما الارتفاع ، وزكت الزروع ، ونتجت الأغنام ، ودرّت الضروع ، وتضاعفت الأسماك ، وورد التجار ، وجرت قوانين المملكة على أجمل الأوضاع ، فطمع ذلك المنجم في كثرة ما عاينه من الذهب وعمل ما قرّره النصارى معه ، فلما رأى الحافظ ذلك تعلقت نفسه بمشاهدة تلك الصفة ، فأمر بإحضار الكتاب من النصارى ، صار يتصفح وجوههم من غير أن يطلع أحدا على ما يريده ، وهم يؤخرون الأخرم عن الحضور إليه قصدا منهم ، وخشية أن يفطن بمكرهم إلى أن اشتدّ إلزامهم بإحضار سائر من بقي منهم ، فأحضروه بعد أن وضعوا من قدره ، فلما رآه الحافظ : رأى فيه الصفات التي عينها منجمه ، فاستدناه إليه ، وقربه وآل أمره إلى أن ولّاه أمير الدواوين ، فأعاد كتاب النصارى أوفر ما كانوا عليه ، وشرعوا في التجبر ، وبالغوا في إظهار الفخر ، وتظاهروا بالملابس العظيمة ، وركبوا البغلات الرائعة ، والخيول المسوّمة بالسروج المحلاة ، واللجم الثقيلة ، وضايقوا المسلمين في أرزاقهم واستولوا على الأحباس الدينية ، الأوقاف الشرعية ، واتخذوا العبيد والمماليك ، والجواري من المسلمين والمسلمات ، وصودر بعض كتاب المسلمين ، فألجأته الضرورة إلى بيع أولاده وبناته ، فيقال : إنه اشتراهم بعض النصارى ، وفي ذلك يقول ابن الخلال :
إذا حكم النصارى في الفروج |
|
وغالوا بالبغال وبالسروج |
وذلت دولة الإسلام طرّا |
|
وصار الأمر في أيدي العلوج |
فقل للأعور الدجال هذا |
|
زمانك إن عزمت على الخروج |
وموضع السقيفة فيما بين درب السلامي ، وبين خزانة البنود يتوصل إليه من تجاه البئر التي قدّام دار كانت تعرف : بقاعة ابن كتيلة ، ثم استولى عليها جمال الدين الإستادار ، وجعلها مسكنا لأخيه ناصر الدين الخطيب وغير بابها.
دار الضرب (١)
هذا المكان الذي هو الآن : دار الضرب من بعض القصر ، فكان خزانة بجوار الإيوان الكبير سجن بها الخليفة الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر بالله أبي تميم معدّ ، ذلك أنّ الآمر لما قتل في يوم الثلاثاء : رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين خمسمائة ، قام العادل برغش ، وهزار الملوك جوامرد (٢) ، وكانا أخص غلمان الآمر بالأمير عبد المجيد ، ونصباه خليفة ، ونعتاه بالحافظ لدين الله ، وهو
__________________
(١) دار الضرب : بنيت في أيام الوزير المأمون البطائحي وكانت تضرب بها النقود وهي بالقشاشين وسمي بعد ذلك سوق الخراطين ويعرف اليوم باسم شارع الصنادقية. (محمد رمزي).
(٢) ورد في النجوم الزاهرة : هزبر الملوك : برغواد ج ٥.