ووجد الناس به رفقا ، وإليه مستروحا ، وبه نفعا ، وكذلك بمصر أمر : بفتح مارستانها القديم وأفرد برسمه من ديوان الأحباس ما تقدير ارتفاعه : عشرون دينارا ، واستخدم له طبيب ، وعامل ومشارف ، وارتفق به الضعفاء ، وكثر بسبب ذلك الدعاء.
وقال ابن عبد الظاهر : كان قاعة بناها العزيز بالله في سنة أربع وثمانين وثلثمائة ، وقيل : إن القرآن مكتوب في حيطانها ، ومن خواصها أنه لا يدخلها ثمل لطلسم بها ، ولما قيل ذلك لصلاح الدين رحمهالله قال : هذا يصلح أن يكون مارستانا ، وسألت مباشريه عن ذلك ، فقالوا : إنه صحيح ، وكان قديما المارستان ، فيما بلغني القشاشين ، وأظنه المكان المعروف : بدار الديلم انتهى ، والقشاشين المذكورة تعرف اليوم : بالخرّاطين المسلوك فيها إلى الخيميين ، والجامع الأزهر.
التربة المعزية
كان من جملة القصر الكبير : التربة المعزية ، وفيها دفن المعز لدين الله ، آباءه الذين أحضرهم في توابيت معه من بلاد المغرب ، وهم الإمام المهدي عبيد الله ، وابنه القائم بأمر الله محمد ، وابنه الإمام المنصور بنصر الله إسماعيل ، واستقرّت مدفنا يدفن فيه الخلفاء ، وأولادهم ، ونساءهم ، وكانت تعرف : بتربة الزعفران ، وهو مكان كبير من جملتها الموضع الذي يعرف اليوم : بخط الزراكشة العتيق ، ومن هناك بابها ، ولما انشأ الأمير : جهاركس الخليليّ خانه المعروف به في الخط المذكور ، أخرج ما شاء الله من عظامهم ، فألقيت في المزابل على كيمان البرقية ، ويمتدّ من هناك من حيث المدرسة البديرية خلف المدارس الصالحية النجمية ، وبها إلى اليوم بقايا من قبورهم ، وكان لهذه التربة عوايد ورسوم منها : أن الخليفة كلما ركب بمظلة ، وعاد إلى القصر لا بدّ أن يدخل إلى زيارة آبائه بهذه التربة ، وكذلك لا بدّ أن يدخل في يوم الجمعة دائما ، وفي عيدي الفطر والأضحى مع صدقات ورسوم تفرّق.
قال ابن المأمون : وفي هذا الشهر يعني شوّالا سنة ست عشرة وخمسمائة ، تنبه ذكر الطائفة النزارية ، وتقرّر بين يدي الخليفة الآمر بأحكام الله أن يسير رسول إلى صاحب الموق بعد أن جمعوا الفقهاء من الإسماعيلية ، والإمامية ، وقال لهم الوزير المأمون البطائحيّ ما لكم من الحجة في الرد على هؤلاء الخارجين على الإسماعيلية؟ فقال كل منهم : لم يكن لنزار إمامة ومن اعتقد هذا ، فقد خرج عن المذهب ، وضلّ ، ووجب قتله ، وذكروا حجتهم ، فكتب الكتاب ، ووصلت كتب من خواص الدولة تتضمن أن القوم قويت شوكتهم ، واشتدّت في البلاد طمعتهم ، وأنهم سيروا الآن ثلاثة آلاف برسم النجوى وبرسم المؤمنين الذين تنزل الرسل عندهم ، ويختفون في محلهم ، فتقدّم الوزير بالفحص عنهم ، والاحتراز التام على الخليفة في ركوبه ، ومنتزهاته ، وحفظ الدور والأسواق ، ولم يزل البحث في طلبهم إلى أن