لم يبق لها أثر ، ونودي في الناس ، فحكروها وبنوا فيها الدور والطواحين على ما هي علي الآن ، وأمر بالأسرى ، فأنزلوا بالقرب من المشهد النفيسيّ ، بجوار كيمان مصرفهم هناك إلى الآن ، وأنزل من كان منهم أيضا بقلعة الجبل ، فأسكنوا معهم وطهر الله تلك الأرض منهم ، وأراح العباد من شرّهم ، فإنها كانت شرّ بقعة من بقاع الأرض يباع فيها لحم الخنزير على الوضم ، كما يباع لحم الضأن ، ويعصر فيها من الخمور في كل سنة ما لا يستطيع أحد حصره ، حتى يقال : إنه كان يعصر بها في كل سنة : اثنان وثلاثون ألف جرّة خمر ، ويباع فيها الخمر نحو : اثني عشر رطلا بدرهم إلى غير ذلك من سائر أنواع الفسوق.
دار الفطرة (١)
قال ابن الطوير : دار الفطرة خارج القصر ، بناها : العزيز بالله ، وهو أوّل من بناها ، وقرّر فيها ما يعمل مما يحمل إلى الناس في العيد ، وهي قبالة باب الديلم من القصر الذي يدخل منه إلى المشهد الحسينيّ ، ويكون مبدأ الاستعمال فيها ، وتحصيل جميع أصنافها من السكر والعسل ، والقلوب ، والزعفران ، والطيب ، والدقيق لاستقبال النصف الثاني من شهر رجب كل سنة ليلا ونهارا ، من الخشكنانج والبسندود ، وأصناف الفانيذ الذي يقال له: كعب الغزال ، والبرماورد ، والفستق ، وهو شوابير مثال الصنج ، والمستخدمون يرفعون ذلك إلى أماكن وسيعة مصونة فيحصل منه في الحاصل شيء عظيم هائل ، بيد مائة صانع للعلاويين مقدّم ، وللخشكانيين آخر ، ثم يندب لها مائة فرّاش لحمل طيافير للتفرقة على أرباب الرسوم خارجا عمن هو مرتب لخدمتها من الفرّاشين الذين يحفظون رسومها ومواعينها الحاصلة بالدائم ، وعدّتهم : خمسة فيحضر إليها الخليفة ، والوزير معه ، ولا يصحبه في غيرها من الخزائن لأنها خارج القصر ، وكلها للتفرقة فيجلس على سريره بها ، ويجلس الوزير على كرسي ملين على عادته في النصف الثاني من شهر رمضان ، ويدخل معه قوم من الخواص ، ثم يشاهد ما فيها من تلك الحواصل المعمولة المعباة مثل الجبال من كل صنف ، فيفرّقها من ربع قنطار إلى عشرة أرطال إلى رطل واحد ، وهو أقلها.
ثم ينصرف الخليفة والوزير بعد أن ينعم على مستخدميها بستين دينارا ، ثم يحضر إلى حاميها ومشارفها الأدعية (٢) المعمولة المخرجة من دفتر المجلس ، كل دعو لتفريق فريق من خاص ، وغيره حتى لا يبقى أحد من أرباب الرسوم إلّا واسمه وارد في دعو من تلك الأدعية ، ويندب صاحب الديوان الكتاب المسلمين في الديوان ، فيسيرهم إلى مستخدميها ، فيسلم كل كاتب دعوا أو دعوين أو ثلاثة على كثرة ما يحتويه وقلته ، ويؤمر بالتفرقة من ذلك
__________________
(١) دار الفطرة : كانت خارج القصر قبالة الديلم ومشهد الحسين بناها العزيز بالله ومحلها اليوم شارع فريد تجاه بوابة شارع الباب الأخضر (م. رمزي).
(٢) الأدعية : ج دعو والمراد به الخطبة المكتوبة وفيها ذكر العيد وسننه والدعاء للدولة.