يرثون به أهل البيت عليهمالسلام ، فإن كان الوزير رافضيا تغالوا ، وإن كان سنيا اقتصدوا ، ولا يزالون كذلك إلى أن تمضي ثلاث ساعات ، فيستدعون إلى القصر بنقباء الرسائل ، فيركب الوزير ، وهو بمنديل صغير إلى داره ، ويدخل قاضي القضاة والداعي ، ومن معهما إلى باب الذهب ، فيجدون الدهاليز قد فرشت مصاطبها بالحصر بدل البسط ، وينصب في الأماكن الخالية من المصاطب دكك لتلحق بالمصاطب لتفرش ، ويجدون صاحب الباب جالسا هناك ، فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه ، والناس على اختلاف طبقاتهم ، فيقرأ القرّاء وينشد المنشدون أيضا ثم يفرش عليهم سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس ، والملوحات ، والمخللات ، والأجبان والألبان الساذجة والأعسال النحل ، والفطير والخبز المغير لونه ، فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب ، وصاحب المائدة ، وأدخل الناس للأكل منه ، فيدخل القاضي والداعي ، ويجلس صاحب الباب نيابة عن الوزير ، والمذكوران إلى جانبه ، وفي الناس من لا يدخل ، ولا يلزم أحد بذلك ، فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركبانا بذلك الزي الذي ظهروا فيه ، وطاف النوّاح بالقاهرة ذلك اليوم ، وأغلق البياعون حوانيتهم إلى جواز العصر ، فيفتح الناس بعد ذلك أو يتصرّفون.
ذكر أبواب القصر الكبير الشرقي
وكان لهذا القصر الكبير الشرقيّ تسعة أبواب أكبرها وأجلها : باب الذهب ، ثم باب البحر ، ثم باب الريح ، ثم باب الزمرّذ ، ثم باب العيد ، ثم باب قصر الشوك ، ثم باب الديلم ، ثم باب تربة الزعفران ، ثم باب الزهومة.
باب الذهب (١) : وهو باب القصر الذي تدخل منه العساكر ، وجميع أهل الدولة في يومي الاثنين والخميس للموكب المقدّم ذكره بقاعة الذهب.
قال ابن أبي طيء عن المعز لدين الله : أنه لما خرج من بلاد المغرب أخرج أموالا كانت له ببلاد المغرب ، وأمر بسبكها أرحية كأرحية الطواحين ، وأمر بها حين دخل إلى مصر فألقيت على باب قصره ، وهي التي كان الناس يسمونها : الحشرات ، ولم تزل على باب القصر إلى أن كان زمن الغلاء في أيام الخليفة المستنصر بالله ، فلما ضاق بالناس الأمر أذن لهم أن يبردوا منها بمبارد ، فاتخذ الناس مبارد حادّة وغرّهم الطمع ، حتى ذهبوا بأكثرها ، فأمر بحمل الباقي إلى القصر فلم تر بعد ذلك.
وقال ابن ميسر : إن المعز لما قدم إلى القاهرة كان معه مائة جمل عليها الطواحين من الذهب ، وقال غيره : كانت خمسمائة جمل على كل جمل : ثلاثة أرحية ذهبا ، وإنه عمل
__________________
(١) وهو باب القصر الأعظم ، وكان يقابل باب القصر الغربي ومنه تدخل المواكب وجميع أرباب الدولة.
صبح الأعشى ٣ / ٣٩٤.